"عيد التبادل الثقافي": كندا تحتفل بخليطها الإثني

"عيد التبادل الثقافي": كندا تحتفل بخليطها الإثني

02 سبتمبر 2018
الجيل الكندي الجديد خليط من كل الإثنيات (العربي الجديد)
+ الخط -


في الوقت الذي أصدرت فيه السعودية أحكاما بالموت على ناشطات وناشطين في مجال حقوق الإنسان، كان سكان أحد أحياء مدينة مونتريال يقيم احتفالا جماعيا، في أحد المراكز الرياضية، أطلقوا عليه اسم "عيد التبادل الثقافي"، شاركت فيه مجموعات إثنية متعددة مقيمة في حي Notre Dame de Grace، ويضم 67 475 نسمة، حسب إحصاء 2016، ويقع شرق مدينة مونتريال.

كان الحي في الأصل حياّ إنكليزيا، ولكنه مع الزمن، وخاصة في الثلاثين عاما الماضية، أصبحت تسكنه، بالإضافة، "للأنكلوفون" مجموعات أثنية متنوعة، منها مثلا العرب (مصريون وسوريون ولبنانيون)، والإيرانيون، وسكان أميركا اللاتينية (الإسبان)، والروس، والإيرلنديون، والكوريون، والأفارقة. مع هذا التنوع في الأعراق والثقافات، قرر، ليس فقط سكان الحي، وإنما سكان كندا، التعارف، بهدف بناء مجتمع أكثر تماسكا وقوة، عماد ذلك هو استثمار التعددية البشرية والثقافية في المجتمع الكندي، وتقاربها، قدر الإمكان، لإنتاج ثقافة إنسانية جديدة فعلا.

ولإعطاء الانطباع الإيجابي لهذا الاحتفال، أو العيد، كما أطلقوا عليه، قررت الحكومة الكندية الفيدرالية، كعادتها، إرسال شخص يمثلها، فكان أفضل الأشخاص هو النائب الفيدرالي عن الحي نفسه، السيد مارك جارنو، وهو في الوقت نفسه وزير المواصلات في الحكومة الفيدرالية، حيث شارك المحتفلين نشاطاتهم، وألقى كلمة أشاد فيها بجهود الجمعيات الأهلية والناس للبحث عن طرق ووسائل للتعارف فيما بينهم. وأشار بشكل خاص إلى دعم الحكومة الفيدرالية لبرنامج يساعد على التعرف إلى "الجيران" وبناء علاقات اجتماعية معهم، وانعكاس ذلك على حياة الجيران والحي إيجابيا، عبر التواصل والحوار اللذين يسقطان الجهل والأحكام المسبقة في رؤوس الغالبية من الناس، عن المجموعات البشرية الأخرى وثقافاتها نتيجة الصمت والخوف.

كانت حلويات الشعوب وبعض وجباتها الأساسية منتشرة على الطاولات، وهي تتراوح ما بين الحلو والمالح والحار، فقد أنضجت السنوات خبرات متنوعة لأبناء الشعوب حملوها معهم إلى كندا، فأغنوا مطبخها وأغتنوا بما فيه من ثقافات أخرى. تذوقنا "السوشي" الكوري، و"المجدرة" السورية، و"الكوسكوس" المغربي، والحلو الإيراني.

وتوقفنا طويلاً عند التعبيرات الثقافية للشعوب، مثل الأزياء الفرعونية، والموسيقى والغناء الأيرلندي، والرقص الأفريقي، ولكننا بقينا أطول وقت عند الطاولة السورية، حيث بذل المشرفون عليها جهدا خاصا لتقديم نموذجا عن العمارة وذلك بتصميم مجسم لأحد الأبواب الدمشقية، وعرضوا أزياء شعبية سورية، ومصنوعات يدوية، ونشروا على المقاعد بعض البسط واللوحات السجادية التي تحمل مناظر ومواقع أثرية سورية. وقد تميز الجناح السوري، بطاولة جلس خلفها الفنان السوري جاسم الدندشي مع أقلامه وريشه، يكتب للناس أسماءهم باللغة العربية، وكل اسم كان لوحة بحد ذاته.

وكان ختام العيد بأن قدمت كل مجموعة إثنية رقصة من رقصاتها الشعبية، قبل أن توحد الموسيقى، بشكل عفوي، إيقاع القلوب والأقدام، فيختلط الناس والرقص مشكلين لوحة فريدة للتمازج والتنوع لا يمكن أن تجدها إلا في كندا. يعيش في كندا 206 قوميات وجنسية، يعيشون جميعا تحت قوانين واحدة، ويتمازجون بالتزاوج، والسكن والطعام والعمل. والحكومة الكندية حريصة جدا على المحافظة على هذا التنوع الثقافي، فهو ميزتها الكبرى.

أخيرا، لا بد من الإشارة إلى التغير الذي لاحظته وعشته في مونتريال، في بدايات وصولي إلى هنا عام 1989، كان من اللافت للانتباه جدا، في الشوارع، أن تشاهد شابا أسود يسير مع صبية بيضاء أو العكس، الآن، من النادر جدا أن تسير بنفس الشوارع دون أن ترى صبية سوداء تعانق شابا أبيض، أو العكس، ومن العادي جدا أن تشاهد فتاة محجبة وهي تركب دراجتها، وتسابق صديقها الأبيض جدا.

دلالات