ملامح هجرة عكسية إلى سورية

ملامح هجرة عكسية إلى سورية

10 يوليو 2017
هل يبقون في جرابلس؟ (أمين سنسار/ الأناضول)
+ الخط -
تشهد المناطق التي تعيش أماناً نسبياً في سورية حركة نزوح عكسية إليها، من السوريين النازحين الذين يبحثون عن الأمان. هؤلاء اللاجئون الذين أنهكتهم ظروف الحياة في بلاد اللجوء. مدينة جرابلس التي تسيطر عليها قوات درع الفرات من أبرز المدن التي تحتضن خليطاً من السوريين النازحين المهجّرين وكذلك من العائدين من بلاد اللجوء.

أحمد ناشط سوري يعيش في مدينة جرابلس، يقول إنّ "ملامح الهجرة العكسية للسوريين إلى جرابلس ومحيطها راحت تظهر بوضوح، منذ بداية العام الجاري، حين بدأت الأمور تستقر في المدينة بعد تحريرها من تنظيم داعش. وكلّ من يقصد المدينة يلاحظ ازدحاماً كبيراً في شوارعها، إذ يعيش هنا سوريون من حلب ومن حمص وإدلب جذبهم كلهم إليها غياب القصف والبراميل". ويوضح أحمد أنّ "الذين جاؤوا من الداخل يبحثون عن الأمان، أمّا العائدون من بلدان اللجوء فإنّ أحوال معظمهم المعيشية لم تكن جيّدة هناك ولم يستطيعوا الاندماج مع المجتمع المضيف. والعائدون من تركيا يتوجّهون بمعظمهم إلى جرابلس المدينة المزوّدة بخدمات الماء والكهرباء، والبقيّة إلى محيطها لا سيّما مدينة الباب".

بعد عامَين كاملين في مدينة غازي عنتاب السورية، عاد أبو عمار مع عائلته إلى سورية منذ نحو أربعة أشهر. يقول إنّه "في نهاية عام 2014، خسرت ورشة صناعة الأحذية التي كنت أملكها في مدينة حلب، بصاروخ. فخفت أن يكون الصاروخ الثاني من نصيبي أو من نصيب أحد من أفراد عائلتي، وخرجنا عن طريق التهريب إلى تركيا ودفعنا كل ما تبقى معنا للوصول إلى هناك". يضيف: "لم أكن أعرف أنّ لهفتي على العودة إلى سورية سوف تكون أكبر من لهفتي على الخروج منها. بقينا نحو سنتين في غازي عنتاب، بحثت خلالهما طويلاً عن سكن وعمل. بداية، سكنا في بيت من الصفيح عند طرف المدينة إلى أن وجدت عملاً في إحدى ورش صناعة الأحذية. وصرت أعمل 12 ساعة يومياً على الرغم من أنّ صحتي لا تساعدني، لأؤمن الحدّ الأدنى من قوت زوجتي وأطفالي". ويلفت أبو عمار إلى أنّ "أياً منّا لم يتسنّ له تعلم اللغة التركية، وتحوّلت حياتي إلى كابوس. أصبح خوفي من البقاء هناك أكبر من خوفي من الصواريخ. فقررت العودة إلى أوّل مدينة تشهد استقراراً". وحين بدأت الأمور تستقر في جرابلس، "لم أتردد، تركت كلّ شيء هناك وعدت مع عائلتي وأسست ورشة صغيرة لصناعة الأحذية الصيفية والمنزلية، يساعدني فيها ولدي وشاب صغير من المدينة. كذلك استأجرت غرفة لنعيش فيها، لكنّ الكثير ما زال ينقصنا. صحيح أنّ الوضع الأمني أفضل من أيّ مكان آخر في البلاد، غير أنّ غلاء المعيشة كبير، رغم وجود كل شيء، لست نادماً".

من جهته، عاش عبد الباسط الحسن، وهو مصوّر سوري لمدّة سنتين في تركيا، قبل أن يقرر العودة إلى الوطن من جديد. يقول: "خرجت من منبج في عام 2014 عندما سيطر داعش على المدينة. طوال وجودي في تركيا، كنت أنتظر العودة إلى مدينتي. لا يمكن أن يُستبدَل الوطن بأيّ مكان آخر". يضيف أنّه "عندما بدأت عملية درع الفرات، جئت إلى جرابلس بهدف التغطية الإعلامية لمجريات الأحداث في المدينة. كان أملي أن أتمكّن من الانتقال بعدها إلى منبج، لكّن الأمور لم تأتِ بحسب ما رغبت وبقيت في إحدى القرى في محيط المدينة".

ويتابع الحسن: "عانيت بداية إذ غيّرت مسكني خمس مرات، وهو ما يحدث مع كثيرين غيري بسبب الارتفاع المتزايد في الأسعار هنا. إلى ذلك، ما زالت الخدمات هنا سيئة جداً، فتوفّر الكهرباء والماء محصور بمدينة جرابلس، فيما تغيب عن الأرياف". ويلفت إلى أنّه "على الرغم من غياب الطائرات الحربية فإنّ الأمان ما زال ضعيفاً جداً. ومنذ دخول الشرطة الحرة قبل نحو شهرين، تحسّن الوضع الأمني قليلاً من دون أن يرقى إلى ما يأمله الناس". ويقرّ "يصيبني الإحباط كثيراً من ظروف الحياة هنا، إلا أنّني لا أندم على العودة. مساهمتي في نقل واقع الناس عبر الإعلام تمنحني قوّة على التحمل".

وكانت عودة عشرات آلاف السوريين اللاجئين في تركيا خلال فترة عيد الفطر (قبل نحو شهر) إلى سورية، قد ساهمت في تسهيل الهجرة العكسية على سوريين كثيرين كانوا ينوون العودة إلى البلاد. بلال من هؤلاء، وهو كان يعيش مع أبويه وأخويه في مدينة أنطاكيا التركية. يقول: "مضت ثلاث سنوات على خروجنا من بيتنا في إدلب. وعلى الرغم من الأمان، فإنّ والدَيّ المتقاعدَين لم يتأقلما على الحياة في تركيا. كنت أراهما يكبران بسرعة ويعيشان على الذكريات. وأتى هذا العيد ليكون فرصة للعودة وزيارة أقاربنا وبيتنا هنا". يضيف: "يبدو أنّني سوف أعود مع واحد من أخويّ إلى تركيا. نحن وحدنا نعمل هناك ونؤمن مصروف الأسرة. كثيرون من الذين عادوا أخيراً إلى البلاد سوف يبقون هنا بينما يتوجّه أبناؤهم الشباب إلى تركيا من جديد ليؤمّنوا لهم المال من هناك. ففرق العملة من شأنه أن يوفّر ظروفاً معيشية أفضل للعائلة في سورية".

ويتابع بلال إنّه "بعد سنوات من العيش في الغربة، تستنتج أنّ الأمان وحده لا يكفي ليعيش الإنسان براحة نفسية، خصوصاً بالنسبة إلى كبار السنّ. وعلى الرغم من عناء السفر، فإنّ الابتسامة عادت إلى وجهَي والدَيّ حين التقيا بمعارفهما وجيرانهما القدامى هنا، وحين ناما في بيتهما. أنا شبه متأكد من أنّ القسم الأكبر من السوريين سوف يعود إلى البلاد ما إن تستقر الأوضاع قليلاً".

من جهته، يقول أبو بلال: "لا أرتاح إلا في بيتي. إن قدّر لي أن أموت، فأنا أفضّل الموت فيه على الموت في الغربة". ويضيف ضاحكاً: "في عقلي لا تجد إلا اللغة العربية. بعد ثلاثة أعوام، لم أحفظ أكثر من 10 كلمات تركية نسيتها فور دخولي سورية. هل يعقل أن أعود إلى هناك لثلاثة أعوام حتى أحفظها من جديد؟".

المساهمون