"سيلفي" العمال

"سيلفي" العمال

29 ابريل 2017
إنه موسم الفراولة (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -
نحتفل؟ أم نهرب من عالم نكون فيه عمّالاً طوال الوقت، بدلاً من البحث عن جدوانا كعمّال فيه. نهرب إلى أسمائنا الأولى، حين كنّا نعرف أجسادنا أكثر من اليوم، وحين كانت الطبيعة لا تهابنا. بشرٌ قبل أن نكسب صفة عمّال. نتعاون مع الطبيعة وتتعاون معنا لإنتاج حياة تبدأ مع شمس وتُختم مع قمر.

أنحتفل في يومنا؟ كأنّ الاحتفال بهذا اليوم يُسقط كل ما تعرّض له عمّال الأرض من استغلال وسلب حقوق وقمع وجوع. يبدو مثل استراحة محارب، قبل أن تعود الأيام إلى ما كانت عليه. ننتظر يوماً جديداً نحمّله الكثير، فيأتي خجولاً مثقلاً بالهموم. يأتي متعباً، فيغادر سريعاً. يقول كلمته ويمشي. والكلمة لا تحمل جديداً. هذا اليوم يسمح للظالمين بالحديث عن حقوق عمال لا يحترمونها، ويسمح لقلّة من العمّال بالمطالبة بحقوقهم. قلة فقط لملء فراغ وسائل الإعلام.

في بعض دول العالم، يرقص العمّال في يومهم. الساحة نفسها التي يجتازونها للوصول إلى أعمالهم ستجمعهم وقد غيّروا ملابسهم. يفرحون بأنفسهم، ويريدون القول إنهم عمالٌ يستحقون التقدير. ولو كانوا يقدّرون، فلا بأس من التذكير.

نحتفل إذاً؟ نخرج إلى الشارع ونسير طوال اليوم. أمس كنّا عمالاً. واليوم نشكر ذواتنا على كل ما قمنا به، أم ننسى هذا اليوم، ونكتفي فقط بكونه عطلة رسمية، من دون أي معنى أو دلالات.
أحياناً، ننسى قيمتنا كعمّال. وفي مرات أخرى، نخال العمال أولئك الذين يحملون رفشاً ومعولاً وتتعرّق جباههم. صورة تجعلنا ننظر بدونية إلى آخرين، ونرتبك إذا ما أردنا تعريف أنفسنا في هذا اليوم.

أين نحن من عيد العمال العمالي؟ في الأول من مايو، سنتذكر قصصاً. ماذا حدث في ذلك اليوم، وماذا تلاه من نضالات عمالية. هذا مهم. لكن أين نحن اليوم من كل هذا؟ إنّها الفردية. وهي ليست آفة العصر الحديث، بل السمة التي تغلب عليه. هذا ما نتجه إليه برؤوسنا المنحنية نحو الشاشات.

بات العامل وحيداً، و"الوحدة" لن تجعله يخوض نقاشات حول حقوق وتصنيفات وغيرها. وحيداً، لن يتمكن من مواجهة الإقطاع العالمي، الذي ينجح بفرديته، على عكس العامل.
هل نحتفل؟ عمالٌ نحن ولسنا مساكين. اليوم، نادراً ما نتعرّق. التعب يتحوّل إلى ألمٍ في النفس والجسد. المشكلة أنّ جسدنا لم يعد يُخرج السموم، لتزداد نسبتها في داخلنا.

قبل أن نحتفل، ماذا يعنينا هذا اليوم، يومنا؟ نحن الذين لم نعد نعرف الاحتفال كجماعة. إذاً "سيلفي" سعيد لكلّ عامل على وجه الأرض. صورة واحدة لن تسع العمال جميعاً. ماذا عن الحقوق؟ في العام المقبل ربّما.

المساهمون