مفاتيح الجنة

مفاتيح الجنة

25 ابريل 2017
علّمني ألعاب ورق الشدّة (فرانس برس)
+ الخط -
قبع جدّي في السرير أكثر من ست سنوات لم يستطع أن يفعل شيئاً خلالها سوى أن يقتل الوقت. يوم السبت، عشية أحد الشعانين، واظب جدّي على فعلته هذه إلى أن انتهى بأن قتله الوقت. حصل ذلك قبل أن يتسنّى لأحفاده أن يدخلوا غرفته ليعرضوا له ثيابهم وفساتين البنات التي تدور استدارة كاملة عندما يدرن في مكانهن. وقبل أن يتسنّى لحفيده جورج الذي يحمل اسمه، جرجس زخيا الدويهي، أن يعطيه يده الصغيرة ليقبّلها.

***

أحبَّ جدّي لعب ورق الشّدة وواظب عليه إلى أن استقرّ في السرير. يمضي فترة قبل الظهر في المقهى مع أصدقائه، وعندما يعود من المقهى الكائن في ساحة الميدان، يقلّه أحد أبناء الجيران أو يمشي المسافة القصيرة، لكن تتعبه الطريق المؤدية إلى بيتنا صعوداً. يعلّق عند طرف بنطاله من المخمل الزيتي رزمة من المفاتيح. يحمل عدداً كبيراً منها، كنت أظنها أكبر من عدد الأبواب نفسه.

أنتظره عند الظهر، لأنه وفيما تجهّز جدّتي الغداء، كان يتفرّغ لي. أنا تلميذته. علّمني ألعاب ورق الشدّة من "الباصرة" إلى "الأربعطعش" وغيرهما، ومن ثم تعلّمت لعبة طاولة الزهر. كان يعاملني كمحترفة، كأنني كبيرة ألعب أمامه وفق أصول اللعب من دون غش أو غنج. أراهن على "القاشوش" بين أوراق أحملها بصعوبة بين أصابعي الصغيرة حتى لا يختلس النظر إليها. أو أعتمد على الحظ في لعبة طاولة الزهر، فأرميه وأتمنى أن يطلع لي "شاش باش".

لكن حظي لم يكن دائماً موفقاً. فأحزن أو أهدد بالبكاء، أو أطلب السماح لكي أغشّ "شوي مش كتير". تسمعنا جدّتي وهي تحرّك اللبن في الطنجرة. فتصرخ له: "هيدي طفلة، طفلة، اتركها تربح لا تزعّلها". يضحك ضحكة عالية، ويسمح لي أن "أزعبر" قليلا. أربح عليه، فأفرح وأظلّ أحكي بالنصر، إلى أن يحين موعد اللعب مجدداً في اليوم التالي.

***

نفقد شيئاً من طفولتنا عندما نفقد أحد جدّينا. نصير أطفالاً فقدوا مكعّباً من السكر، أو قالباً من الحلوى، أو حبّةً من الشوكولاتة، أو كأساً من السحلب الدافئ. نفقد محبّة قيل عنها إنّها أعزّ بعد من محبّة الأهل لأبنائهم. تقول لي جدّتي في كل مرّة، أمام أمي، "ما أعزّ من الولد إلا ولد الولد". كان هذا صحيحاً أيضاً بالنسبة إلى جدّي. يتركني أغشّ، فأربح أمامه في لعبة تمرّس فيها. يعود من المقهى حاملاً معه لي ولأختي الشوكولاتة التي يضعها في جيبه، في البنطلون الزيتي نفسه الذي يعلّق عند خصره المفاتيح. مفاتيحٌ أظن اليوم أنّها، كلّها، تفتح له باباً واحداً. باب الجنّة.

المساهمون