محمد بو معيزة: عملاق جزائري بمتر و20 سنتيمتراً

محمد بو معيزة: عملاق جزائري بمتر و20 سنتيمتراً

25 مارس 2017
يضحكني من يهتم بقامة زائدة أو ناقصة (عماد منصور)
+ الخط -
ينافس محمد بو معيزة، المولود في عام 1990، في الشهرة ومحبة الناس له، رجال المال والأعمال والسياسة في بلدته عين فكّان التابعة لمحافظة معسكر، (400 كيلومتر غرب الجزائر العاصمة). ويُعدّ مدلّلاً لدى النخبة المسرحيّة في المنطقة، وفي الجامعة حيث يدرس علم نفس العمل، وهو تخصُّص غير معروف في الجزائر. والسبب ليس قامته التي لا تتجاوز متراً وعشرين سنتيمتراً، بل عدم وجود مشكلة بالنسبة إليه في ذلك، وتصرّفه كما لو أنّه أطول رجل في العالم.

يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يستغرب من الإنسان، "فهو يخجل من طوله وقصره إذا زاد أحدهما عن حدّه، بينما يُفترض ألّا يؤثر ذلك فيه، لأنه لم يستشر في ذلك". ويشرح: "أخجل من أفعالي وأفكاري السّيئة التي أملك مسؤولية مباشرة عنها، كأن أكون كاذباً أو سارقاً أو خائناً أو منافقاً. أمّا خصائصي الجسديّة التي لا دخل لي فيها، فأتعاطى معها كما وهبني إياها الخالق، من غير أيّة عقد أو تبرّم أو استنكار".

ويذهب بو معيزة بعيداً في قوله: "يضحكني من يهتم بقامة زائدة أو ناقصة لدى غيره، بينما يهمل أسنانه أو عينيه أو معدته، حتى يصاب بعاهة وقد ولد من دونها، وهو بذلك يصبح مسؤولاً عنها، عكسي أنا المولود كما أنا". ويسأل: "كم جزائري يراجع طبيب الأسنان دوريّاً ليُبقي على أسنانه سليمة؟ كم جزائريّ يحرص على مضغ لقمته جيّداً حتى لا يخرّب معدته؟ بل كم جزائري يشتري أحذية صحية ليحافظ على راحة قدميه؟".



من هنا، يقول بو معيزة إنه لا ينظر إلى نفسه بعيون غيره لأنها محكومة بشروط اجتماعيّة متعسّفة وموروثة، "بل أنظر إلى نفسي بعيني أنا، لأنها محكومة بفلسفتي الخاصّة". يضيف: "لا يمكنني أن أرى شابّاً طويلاً يحتقر المرأة ويظلمها ويقمعها إلا بصفته قزماً، فمتى ندخل مرحلة نقيس فيها قيمة الإنسان بأفعاله وتفكيره، لا بطوله أو بقصره أو بوسامته؟". ويوضح أنّ تفوّقه في الدراسة خلال المرحلة الابتدائية لم يكن من باب التعويض عن عقدة ما، بل "لأنني كنت أؤمن بجدوى التعلّم في الحياة، والدليل أنّ علاماتي تراجعت في المراحل اللّاحقة، وأصبحت تلميذاً عادياً لأنّني قرّرت أن أسخّر نفسي للفنّ الذي أشعرني بوجودي وحبّي لنفسي".

يعشق المسرح (عماد منصور) 


ويقول محمّد بو معيزة إنّه لم يختر التخصّص في علم نفس العمل بسبب حبّه له. مع ذلك، اجتهد كثيراً وهو في صدد الحصول على شهادة الدراسات العليا. يشير إلى أنّه اعتاد إنهاء المهمّة التي توكل إليه مهما كانت الظروف. وفي الوقت نفسه، ينوي دراسة المسرح. في هذا السياق، يوضح صديقه الممثل عمّار أوسيد أنه يعرف كثيراً من المسرحيّين، "لكنني لم أجد من يعشق المسرح ويختصر أحلامه كلها فيه، مثل محمّد بو معيزة، حتّى أنّه مستعدّ للتخلّي عن تعب سنواته في الجامعة، بهدف الالتحاق بجهة أكاديميّة متخصّصة في الفنون الدرامية".

ويحكي عنه خلال جولاتهما المسرحية إلى مختلف المدن الجزائريّة، "أن تسافر معه يعني أنك تسافر مع مجموعة من النكات. لا يفعل ذلك لأنه مسرحي فقط، بل لأن روحه جميلة ومحلّقة على الدّوام أيضاً".

قبل أن يتاح لبو معيزة دور ثانويّ في إحدى المسرحيّات في عام 2012، كان قد اعتاد الرقص في الشوارع على مدى خمس سنوات، "أردت أن أكسر العديد من الأحكام المسبقة، منها أن الرقص لا يتناسب والرجل، بينما هو أحد أرقى وسائل التعبير الإنسانية. هذه التجربة جعلتني أجبر الناس على حفظ شكلي، مع التركيز على مضمون ما أقدمه من فن". يضيف: "قبل أن نلوم الآخرين على اعوجاج نظرتهم إلينا، علينا أن نلوم أنفسنا على عدم تصحيحنا تلك النظرة، من خلال الإيمان بأنفسنا".

بهذه الروح، قدّم العديد من الوصلات الفكاهية، "يستمتع الواحد منا بالضحك على غيره، لكن متعته وهو يضحك على نفسه تكون أعمق، فقد كانت فلسفتي في أعمالي الفكاهية أن ألفت انتباه البعير الذي يضحك على حدبة أخيه إلى أنه يملك واحدة مثلها. هنا يصبح الضحك الأسود نوعاً من النقد الذاتي المفيد".

بعد أدواره في جملة من المسرحيات الموجهة للطفل، مثل "الحمار" و"الثعلب المكّار"، كان الصغار يحاولون لمسه أثناء أدائه أدواره، كما حدث معه في مدينة بشار (جنوب البلاد). في مسرحيّة عملاق، منحه المخرج ربيع قشي دوراً رئيسيّاً. من خلالها، سعى إلى القول إن "الإنسان ذا الإرادة والطموح والثقة في النفس يمكن أن يتحكّم في محيطه العام، ويفرض احترامه عليه، فيظهر في نظره عملاقاً حتى وإن كان صغيراً"، وهذا ما فعله محمد بو معيزة في محيطه.

دلالات