فرنسا: مسيرة حاشدة لعائلات ضحايا العنف البوليسي في باريس

فرنسا: مسيرة حاشدة لعائلات ضحايا العنف البوليسي في باريس

20 مارس 2017
أكثر من عشرة آلاف متظاهر حضروا المسيرة (العربي الجديد)
+ الخط -
رغم الجو المشحون الذي تعيشه فرنسا، ورغم ما جرى أول من أمس في مطار أورلي، ورغم انشغال الكثيرين بالحملات الانتخابية، والتي تواصلت الأحد مع تنظيم المرشح بونوا هامون لقاء جماهيريّاً في باريس؛ نجحت "عائلات ضحايا الجرائم البوليسية" في المسيرة التي دعت إليها "من أجل الكرامة والعدالة".

وكانت باريس على موعد أمس مع تلك المسيرة التي انطلقت في الساعة الثانية بعد الظهر من ساحة ناسيون إلى ساحة الجمهورية، وشهدت حضور أكثر من عشرة آلاف متظاهر، والعديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية، من بينها رابطة حقوق الإنسان، والكثير من النقابات وبعض الأحزاب، ومن بينها الحزب الشيوعي، ممثلًا في أمينه العام بيير لوران، إضافة إلى مختلف أحزاب اليسار الراديكالي.

وبالتزامن مع هذه المسيرة، نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية اليسارية بيانًا وقعته شخصيات فكرية جامعية وسياسية أميركية، من بينها أنجيلا دايفس، ورومان غروسفوغل، ودافيد هارفي، وكريستين روس، بعنوان: "ضد العنصرية والدولة البوليسية"، تدعو فيه للمشاركة بكثافة في هذه المسيرة.

واستعرض البيان جرائم الشرطة من "فيرغسون" بالولايات المتحدة الأميركية إلى "بوبيني" بفرنسا. وذكّر بجديد الحراك "الذي ينتقد بشكل عميق المؤسسات البوليسية والقضائية، وبشكل خاص، تأثير الشرطة والأجهزة القمعية على الأقليات السوداء أو العربية".


كذلك تطرق البيان إلى "قضية ثيو"، والتي حرّكت الرأي الفرنسي والعالمي، وأشار إلى أنه لا يمكن الإحساس بالرضى لأنّ ثمة "متابعات قضائية ضد أفراد الشرطة الضالعين في هذه القضية، لأن هؤلاء ليسوا الوحيدين الذين يتحملون عبء تاريخنا الثقيل وعنف الدولة".



واستهجن البيان الحديثَ المُسهب عن مسألة العنف، من دون الحديث عن العنف الشرعي: "الانتفاضات التي هزّت بلدة "أولناي-سو-بوا" (مدينة ثيو) وبعض المدن والأحياء الفرنسية تكشف الحرمان الذي يعاني منه شباب أعزل في مواجهة القوة البوليسية، كما تكشف رفضهم الاستسلام"، وأضاف: "علينا ألا ننسى، أبدًا، أنه منذ انتفاضات 2011 العربية الباهرة، فإن هذه الثورات الحضرية، والتي يطلق عليها الأقوياء، باحتقار، اسم أحداث شغب، زعزعت وأسقطت أنظمة".

مسيرة عائلات ضحايا الجرائم البوليسية 



وخلص البيان إلى أنه "لا يمكن أن نعتمد إلا على قوانا الخاصة، من أجل قلب مسار الأشياء. وهو درسٌ نعتبره مهمّاً، عشية انتخابات تُنذرُ بتسليم السلطة إلى ترامب فرنسي".

وكانت عائلات ضحايا "الجرائم البوليسية" على رأس مسيرة اليوم، والتي تخللتها شعارات أصبحت معتادة في مثل هذه اللقاءات، من نوع "لا سلام من دون عدالة"، أو "لن ننسى، لن نصفح"، و"الشرطة تقتل وتغتصب"، و"الشرطة تقتل دون محاسبة" و"لننزع سلاح الشرطة"، "لتبق الشرطة بعيدةً عن أحيائنا".

وكانت المسيرة تتوقف، من حين لآخر، للاستماع إلى شهادات صادمة من عائلات ضحايا الجرائم البوليسية، ومن بينها عائلات لحسين آيت أومغار، وأمين بنتونسي، وحسين بوراس، وعبدلاي كامارا، وغيرهم. إذ تحدثت أمهات عن أبنائهن الذين قتلوا على أيدي الشرطة، وتحدثت أخوات عن إخوانهن، وآباء عن أبنائهم. وكشف جميع المتحدثين عن مآس وآلام رهيبة أحسّوا بها إلى جانب الإحساس بالعزلة القاسية، وبأن العدالة ليست إلى جانبهم، إذ نادرًا ما أدين أفراد الشرطة، وإذا ما حدث، فإن الأحكام تكون بالسجن مع وقف النفاذ، كما حدث قبل أسبوع، مع الشرطي الذي قَتَل الفتى أمين بنتونسي برصاصة في ظهره.


ولم تغب الانتخابات الرئاسية عن أذهان منظّمي هذه المسيرة، فقد أريد لها أن تكون رسالة إلى من يهمهم الأمر، خصوصًا أن "قضية ثيو" منحت بعض الأمل لكثير من العائلات، بسبب التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها، والتي أدّت إلى تحرك الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى حيث يرقد ثيو لالتقاط صورة معه.

ولأنّ "قضية ثيو"، والتي هي جزء لا يتجزأ من معاناة الأقليات في فرنسا مع القانون والأمن، أصبحت مرآة أمام الرأي العام الفرنسي والدولي، تَظهر فيها مصداقية الحكومة ورئيس الجمهورية وتنفيذ وعود تفعيل العدالة وتطبيقها على الجميع؛ فقد بادرت أيقونة النضال ضد الجرائم البوليسية، أمل بنتونسي، لزيارة ثيو وعائلته، والتقطت معها صورًا، وحصلت منها على دعم مطلق في هذه المسيرة.

يشار إلى أن جمعيات كثيرة حضرت لدعم المسيرة، وأيضًا للتعبير عن همومها الخاصة واهتماماتها، مثل أصدقاء جورج إبراهيم عبد الله، والذين يطالبون، منذ سنوات، بإطلاق سراحه من السجون الفرنسية، وحركة "بي دي إس"، والتي تطالب بتفعيل مقاطعة إسرائيل وإدانة كل المضايقات الحكومية التي تتعرض لها، وحركة "المهاجرين غير الشرعيين".

وقد أكدت بعض عائلات الضحايا لـ"العربي الجديد" أن هذه المسيرة سيكون لها ما بعدها، وأنها ستتواصل وتتخذ أشكالًا مختلفة، لأن العنف البوليسي لن يتوقف في المستقبل المنظور. كما أن "العائلات اكتشفت أن العمل الجماعي هو الكفيل بمنح نضالاتنا معنى واضحًا، والقادر على تحقيق بعض النتائج". في حين صرّح يوسف بوسوماح، القيادي في حزب "أهالي الجمهورية"، أن "عنصرية الدولة الفرنسية التي تستهدف الأقليات، السوداء والعربية والغجرية، لا يمكن يقاوِمها إلا المعادون للعنصرية، المنتمون للأقليات التي تتعرض للعنف"، وأن "معاداة العنصرية الكولونيالية ماتت، وتحيا معاداة العنصريةِ السياسيةُ".

وأخيرًا، فمن المهمّ الإشارة إلى أن كثيرًا من وسائل الإعلام الفرنسية فضلت التركيز على اعتداء أمس في مطار أورلي وعلى الحملة الانتخابية المتواصلة، أما "المسيرة من أجل العدالة والكرامة"، فكان مكانها، في بعض القنوات الإخبارية، شريط الأخبار المتحرك.​


مسيرة عائلات ضحايا الجرائم البوليسية 

مسيرة عائلات ضحايا الجرائم البوليسية