اقتصاد فرنسا يئن تحت ضربات لوبان وعدائها لأوروبا

اقتصاد فرنسا يئن تحت ضربات لوبان وعدائها لأوروبا

09 مارس 2017
لوبان تكسب البسطاء بخطابها العنصري ووعودها المتناقضة(Getty)
+ الخط -
انتخابات فرنسا هذه الدورة تختلف كثيراً عن الدورات السابقة، حيث ارتفعت في هذه الدورة شعبية الجبهة الوطنية التي تمثل التيار اليميني الشعبوي المتطرف وتقودها مارين لوبان. وبات صعودها في انتخابات الدورة الأولى التي ستجري في نهاية إبريل/ نيسان المقبل، أمراً شبه مؤكد، حسب معظم استفتاءات الرأي الأخيرة في فرنسا. 
وعلى الرغم من أن غالبية استفتاءات الرأي وخبراء الشأن الفرنسي يؤكدون أن مرشحة الجبهة الوطنية لوبان، لن تتمكن من الفوز بالرئاسة الفرنسية في دورة الانتخابات الثانية في مايو/أيار، ويراهنون على فوز المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية إمانويل ماكرون، إلا أن مفاجأة فوزها لا يمكن استبعاده تماماً. ولقد سبق أن استبعدت الاستفتاءات فوز التيار المناهض للاتحاد الأوروبي في بريطانيا وحدثت المفاجأة أن فاز التيار المناوئ لأوروبا وها هي بريطانيا في طريقها للخروج من أوروبا. كما حدث نفس الشيء في الانتخابات الأميركية التي فاجأت العالم بفوز الملياردير دونالد ترامب بالانتخابات.
وبالتالي، فإن المستثمرين في السندات الفرنسية وسوق المال الباريسي قلقون من احتمال فوز لوبان، أو حتى وجودها كقوة مؤثرة في السياسية الفرنسية، يمكنها أن تقفز للحكم إن لم يكن في هذه الدورة، ربما في الدورة المقبلة بعد خمس سنوات، خاصة أن جمهور لوبان من الشباب صغار السن.
ومن أدلة هذا القلق بين المستثمرين، اتساع فارق الفائدة بين السندات الفرنسية والسندات الألمانية، حسب بيانات البورصة الفرنسية، حيث يهرب المستثمرون بكثافة من سندات الخزانة الفرنسية التي ترتفع مخاطرها بحثاً عن "ملاذ آمن" لاستثماراتهم في السندات الألمانية. ولا يمثل برنامج لوبان العنصري المتطرف الذي يسعى لإخراج فرنسا من أوروبا والتخلي عن اليورو والعودة إلى طباعة الفرنك الفرنسي، مصدر قلق لرجال المال والاقتصاد في فرنسا، فحسب ولكنه يمثل كذلك طعنة جديدة لمنطقة اليورو التي تئن منذ سنوات تحت جراح الديون وأزمة اليونان والمصارف.
وفي أحدث تصريحاتها يوم الأربعاء قبل يومين لراديو "آر تي إل" الفرنسية، قالت لوبان إنها ستعمل في حال فوزها على طرح الفرنك الفرنسي بقيمة مساوية لقيمة اليورو ثم تقوم بتعويمه في سوق الصرف. مشيرة إلى أن الفرنك الفرنسي سينخفض أمام اليورو، وبالتالي سيفيد ذلك صادرات البضائع الفرنسية المنافسة للبضائع الإيطالية والألمانية. ولكن هذا التصريح يبدو متناقضاً مع تصريح سابق قالت فيه إنها في حال فوزها ستطرح الفرنك الفرنسي مقوماً بسلة عملات. ولكن على الرغم من هذا التناقض الواضح واستحالة التحول من عملة اليورو إلى الفرنك الفرنسي قبل إجراء استفتاء شعبي للخروج من منطقة اليورو، إلا أن مجرد طرح فكرة العودة إلى الفرنك، تحظى بشعبية بين التيار اليميني وكبار السن الذين يحنون لعهد فرنسا قبل انضمامها للاتحاد الأوروبي.
ولكن في المقابل، فإن مثل هذه الأفكار تضع الاقتصاد الفرنسي الباحث عن استثمارات خارجية ويعد ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد الاقتصاد الألماني في أزمة حقيقية مع العديد من كبار المستثمرين في العالم. ويبلغ حجم الاقتصاد الفرنسي حوالى 2.8 ترليون دولار. ويمثل بهذا الحجم نسبة 15% من اقتصادات منطقة اليورو المقدر حجمها بحوالى 17 ترليون دولار. ولكن رغم هذا الحجم الاقتصادي الضخم، فإن فرنسا تعاني من مشكلة البطالة التي ارتفعت فوق 10%، مقارنة مع ألمانيا التي يبلغ فيها معدل البطالة حوالى 4.0%، وبريطانيا التي يحوم فيها معدل البطالة حول 5.0%.

واستفادت المرشحة المتطرفة لوبان من هذا الوضع الاقتصادي المتردي وخلق طبقة فقيرة تعتمد في معيشتها على معونات دولة الرفاه. وتوظف لوبان بذكاء خارق فشل حكومة الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند في إنعاش الاقتصاد وخلق وظائف جديدة. ويذكر أن معدل النمو الاقتصادي في البلاد لم يتجاوز معدل واحد في المائة منذ مجيئه للحكم. وذلك حسب مؤسسة "يورو ستات" التي ترصد الإحصائيات في منطقة اليورو.
كما تستفيد لوبان كذلك من موجة الهجرة الكثيفة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية من بلدان عربية مثل سورية ودول شمال أفريقيا والدول الأفريقية جنوب الصحراء. وحسب خبراء ساهمت هذه الهجرة في تجذير المد العنصري وسط البيض خاصة الشباب وزيادة عدائهم للمهاجرين.
ويرى خبراء في الشأن الفرنسي، أن الاقتصاد وتحسن مستويات المعيشة ومستويات الدخل إلى جانب الهجرة، من بين أهم القضايا التي ستحدد مستقبل الانتخابات المقبلة في فرنسا. وترى لوبان، وحسب البرنامج الذي أعلنت عنه في يناير/ كانون الثاني، أن خروج فرنسا من منطقة اليورو والتخلي عن عملة اليورو والعودة للفرنك سيزيد من القوة الشرائية الفرنسية وسيرفع من معدلات التوظيف والنمو الاقتصادي.
وهي وعود جذابة بالنسبة للفرنسيين وتحمل كثيراً من المستقبل بالنسبة للشباب والمزارعين في الريف الفرنسي الذين يعارضون سياسات المفوضية الأوروبية الخاصة بالحظر الاقتصادي على روسيا وسياسات تحديد الحصص التي تحددها بروكسل.
ومن بين النقاط التي تقلق المستثمرين في السندات وسوق المال الفرنسي والأوروبي وحتى المستثمرين في عملة اليورو، كما تشير توقعات مصارف استثمارية من بينها مصرف" ميريل لينش"، الخوف من المفاجأة بفوزها رغم استبعاده. وحتى الآن ينحصر الرهان على فوز المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية إمانويل ماكرون الاجتماعي الليبرالي الذي يكسب دعم المزيد من اليساريين والاشتراكيين.
وتتوقع مصارف في لندن أن يقود فوزها إلى هبوط كبير في سعر صرف اليورو، ربما إلى أقل من دولار واحد مباشرة بعد إعلان النتيجة، كما أن السندات الفرنسية ستهبط قيمتها بشدة هي الأخرى ومعها سندات العديد من دول منطقة اليورو. ومن المتوقع أن يستفيد من ذلك كل من الدولار والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني والسندات الحكومية في كل من بريطانيا وألمانيا وسويسرا.

المساهمون