ليتني كنت شجرة

ليتني كنت شجرة

06 فبراير 2017
لن أرقص وحيداً (رسم: فؤاد هاشم)
+ الخط -
ليتني كنت شجرة. هكذا قالت لي، وكانت متعبة من ضغط الحياة وروتينها.

نعم ليتك كنتِ شجرة، وأنا المطر الذي يروي عطشها، كي لا يجتاحها الجفاف. لكنك لستِ شجرة. أعرف أنك في حالة ضياع بينك وبين نفسك. وأعرف انك تحبين الآخرين أكثر من نفسك، ولديك خوف من المجهول، وتحتاجين مساحةً وقليلاً من الوقت لتوضيب أفكارك على انفراد. لا أريد الغوص في تحليل شخصيتك، ولا أريد أن أغيّر من عاداتك، لكن أرغب بأن يكون لديكِ القليل من الأنانية لتحبي ذاتك أكثر، وتنظري عن بعد إلى محيطك بطريقة مختلفة.

لكن قبل كل ذلك، تعالي نرقص على قرع الطبول. لنرقص ونعفّر أقدامنا بالتراب، ونلاعب بأيادينا أوتار السماء. ربما نصنع منها موسيقى أو ضجيجاً، لن يسمعه أحد غيرنا. تعالي نرقص هكذا على فطرتنا، ومن بعدها اذهبي إلى مساحتك الخاصة، وكوني شجرة وحيدة، تنتظر غيمة مليئة بالمطر، لترويها من جديد.

لن أتبعك إلى تلك المساحة، إنها لك وحدك. ولن أصنع المطر من جديد. سوف أبقى في ساحة الرقص أقرع الطبول، وأراقب مساحتك عن بعد من دون أن أتدخّل، وأتجاهلك عندما تكسرين حواجز عزلتك بين الحين والآخر. ولن أرقص وحيداً، على أمل أن تهجري الشجرة التي تتقمصها روحك عند التعب، وتعودي إلى الرقص بكل جوارحكِ.

وعندما تعودين، لن أخبركِ أنني كنت أنتظرك. سأقول لكِ إنني كنت نائماً من كثرة السهر أو القراءة، أو كنت أشاهد البرامج المملّة على التلفزيون، وكيف عدّلتُ دراجتي النارية مؤخّراً. وسأخبرك أيضاً عن محاولاتي الفاشلة للإقلاع عن التدخين، ومغامراتي الافتراضية على فيسبوك، أو أي شيء آخر يخطر ببالي. ولن أخبرك أيضاً أنني كنت أوقد الشمس كي لا يلمسك المطر، ولكن سأخبرك بأشياء كثيرة عندما كنتِ شجرة في تلك المساحة.

هل ستخبرينني كيف كان انفرادك مع ذاتك؟ أو هل تتوقعين مني أن أدلو بدلوي، وأسألك عما جال في خاطرك؟ لا. لن أسألك عن أي شيء. أعتقد أنكِ لن تخبريني كلّ شيء. فأنتِ كعادتك ستبدئين قبلي بالكلام، وستخبريني عن مشاكل العمل، وعن أشخاص ظهروا فجأة في حياتك، واختراعات جديدة في عالم الطبخ. كل هذا مقدمة لبداية حديثك.

لا أعرف ما هو القليل من الوقت، ولا أعرف مقياس الوقت لديكِ. لكني سأنتظر قليلاً من الوقت، لأنني لا أريد أن أكون وقتك الضائع، ومن بعدها سوف أعود إلى نفسي، كي أتعرّف عليها من جديد.

المساهمون