رحلة الجرد والنار

رحلة الجرد والنار

31 أكتوبر 2016
جمعنا الحطب من أجل سهرة النار (فؤاد هاشم)
+ الخط -
غادرت بيروت الخامسة صباحاً متجهاً إلى منطقة الهرمل في البقاع الشمالي. هي المرة الأولى التي أزور فيها تلك المنطقة الجردية. يقولون إن الهواء النقي هناك مختلف عمّا نتنفسه في المدينة.

غادرت بيروت ولم أفكر في الوقت الذي يلزمني كي أصل إلى هناك. أعشق السفر في البر. فعلتها مرات عديدة في الخليج وأفريقيا. وعندما وصلت إلى منطقة شتورة في البقاع الأوسط، كانت أول استراحة. هناك تناولت مع ولديّ سندويشات اللبنة والجبنة البلدية. الشمس بدأت ترسم ظلال الأماكن من حولنا. كانت استراحة قصيرة.

بدأت الانطلاقة الثانية باتجاه مدينة زحلة التي لم أزرها منذ سنوات طويلة. مع ذلك، لم أسأل أحداً عن الاتجاه الذي أريده، بل استعملت البوصلة التي في ذاكرتي. وعندما لم تسعفني، لجأت إلى أول شرطي سير قابلته. بعد توجيهاته تابعت رحلتي، حتى وصلت إلى مشارف مدينة بعلبك حيث كانت الاستراحة الثانية بعد ساعتين ونصف من القيادة. اشترينا بعض الحاجيات من دكان، واستفسرت من مالكه عن وجهتي. الفرق بين سكان المدن الساحلية وأهالي المناطق المرتفعة أنّ هؤلاء لطفاء لا يتذمرون من السؤال، ربما بسبب الأكسيجين النقي في الأجواء.

مع وصولي إلى مشارف مدينة الهرمل، اتصلت بأصدقائي الذين سبقوني لأعرف طريق الوصول إلى المكان المقصود. دخلت المدينة ثم خرجت منها، وبدأت أشعر بأمر غريب. المكان كأنه منعزل عن الكوكب. وديان وتلال وجبال وأشجار لزاب متفرقة. حتى لون التراب مختلف عن بقية تراب الكوكب. هكذا فكّرت في نفسي.

وصلنا الى جرد الهرمل عند التاسعة صباحاً. المكان فندق بيئي عبارة عن غرف متفرقة بنيت بطريقة تقليدية. لا وجود لأسلاك كهربائية أبداً.

تركت ولديّ يكتشفان المكان، وكانت القهوة، سيدة الطاولة، تنتظرني. لم أتأفف من المسافة والوقت الذي قضيته على الطريق. فمنذ لحظة وصولي، نسيت العاصمة ونسيت ما هو عملي، وارتباطاتي. ولولا تكرار اسمي لنسيته أيضاً.

لاحقاً أُحضِر الفطور. كلّ ما على المائدة من صنع وتحضير أهالي المنطقة: الأجبان والألبان والبيض البلدي والزيتون والمكدوس (مخلّل الباذنجان المحشوّ بالجوز والفلفل).

أمضينا نهاراً ممتعاً من الصعب وصف كلّ ما فيه. وفي فترة بعد الظهر، خرجنا في رحلة استكشاف سيراً عل الأقدام. جمعنا الحطب من أجل سهرة النار، التي استمرت حتى آخر الليل. وسبقها عشاء السمك النهري، المشوي على الفحم.

لا أعرف في أيّ ساعة ذهبت إلى النوم، لكنني أتذكّر في أيّ ساعة عدت الى المدينة... عدت إلى روتين العمل، تاركاَ شيئاً لا يوصف خلفي.

المساهمون