معركة وجود بين أطباء الأسنان و"المرممين" في المغرب

معركة وجود بين أطباء الأسنان و"المرممين" في المغرب

17 نوفمبر 2017
يصلح أطباء الأسنان ما أفسده الصناع (العربي الجديد)
+ الخط -
تنتشر مهنة ترميم الأسنان وغيرها من العلاجات المرتبطة بالفم في معظم المدن المغربية، ويزاولها كثيرون بأريحية تحت أعين السلطات، حتى إن خدماتهم لم تعد تقتصر على محال عشوائية في الأسواق، بل صارت تشمل "خدمات منزلية" يقدمها أطباء أسنان مزيفون من جنسيات عربية، بحسب طبيبة الأسنان مريم الجاوي.

ويتردد كثيرون من أصحاب الدخل المحدود والفقراء على هؤلاء لعدم قدرتهم على ارتياد عيادات طب الأسنان المرخصة والباهظة التكاليف. وحسب آخر إحصائيات وزارة الداخلية بالمغرب، فإن 3300 شخص يرممون الأسنان بطريقة غير قانونية، 1790 منهم لا يمتلكون أية رخصة.
ويدافع محترفو هذه المهنة عن "شرعيتهم التاريخية" متذرعين بالأقدمية والخبرة، فيما تواصل الهيئة الوطنية لطب الأسنان معركتها مع ما تصفه بـ"الأوكار العشوائية"، داعية السلطات العمومية الحكومية إلى التدخل للقضاء على هذا "الخطر الصحي"، في انتظار أن يحسم قانون مزاولة مهن محضري ومناولي المنتجات الصحية هذا السجال.

داخل سوق شعبي بمنطقة الحي الحسني، في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب)، وفي محل بسيط اصطفت قبالته ماكينات خياطة، يوجد محل "الدغوغي" ذائع الصيت، والذي يعود تاريخه إلى أكثر من 30 سنة.
كان الدغوغي يقتلع الأضراس بكماشته الحديدية "الكلاّب" في ساحة السوق قديماً، قبل أن ينتقل إلى هذا المحل ذي الواجهة البسيطة. وتبلغ تكلفة خلع الضرس 70 درهما (7 دولارات)، في حين أن التكلفة في عيادات أطباء الأسنان قد تصل إلى (30 دولاراً).

يقول محمد (48 سنة)، وهو من زبائن محل الدغوغي لـ"العربي الجديد": "لم يسبق أن زرت طبيب أسنان. كلما آلمني ضرس، أقصد الدغوغي، ليقتلعه لي بمبلغ زهيد وبحرفية كبيرة. ولم يحدث طيلة هذه السنوات أن اشتكيت من أية مضاعفات صحية جراء هذه العملية، بل إن كافة أفراد أسرتي، يفضلونه على أطباء الأسنان لثقتنا في كفاءته وتعامله مع الفقراء".

يدافع صناع الأسنان عن شرعيتهم التاريخية (العربي الجديد) 


"الكفاءة" اعترف بها عدد من زبائن الدغوغي من فئات عمرية مختلفة، ورغم أن الدغوغي الجدّ قد توفي في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنه ترك "المهنة" لأبنائه وأحفاده. يقول حفيد الدغوغي الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد": "أفتخر بكوني حفيد الدغوغي، المعروف بكفاءته وحرفيته العالية. لست طبيباً لكنني صانع أسنان، وأحمل شهادة تخولني مزاولة هذه المهنة".

يقول الحفيد الذي اتخذ من شقة في عمارة سكنية "عيادة" لممارسة مهنته: "قضيت أكثر من 5 سنوات في التدريب، واكتسبت الخبرة والتجربة من أخوالي الذين توارثوها بدورهم عن جدي الدغوغي، والذي كان في الميدان قبل أن تفتح كلية طب الأسنان أبوابها عام 1981 بالدار البيضاء. أليست التجربة أمّ العلوم"؟

ويشير إلى أنه يشتغل باستخدام أدوات وآلات معقمة "بعيدا عن الشائعات التي تتحدث عن غياب ظروف وشروط السلامة الصحية من نظافة وتعقيم وكفاءة في تقديم العلاج وإمكانية انتقال بعض الأمراض أو حدوث وفيات"، لافتاً إلى أن "بعض الجهات تسعى إلى نشر هذه الشائعات من أجل الاستفراد بالسوق، والتلاعب بالأسعار وإقصاء صناع الأسنان".

ويتحدث حفيد الدغوغي عن "الفوضى التي تعيشها المهنة"، مرحباً بأي تقنين لا يعتمد الإقصاء الممنهج، في إشارة منه إلى مشروع القانون الخاص بمحضري ومناولي المنتجات الصحية؛ الذي سينظم مهنة طب الأسنان.

مهمة المرممين إنتاج أسنان بديلة (العربي الجديد)


غير بعيد عن محلّ الدغوغي، وفي شقة بأحد الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، تنتصب "عيادة" "د. ر."، وأعلاها علقت لافتة كتب عليها "ترميم الأسنان". يلجأ البعض إلى العيادة مسايرة للموضة. تقول إحدى الزبونات لـ"العربي الجديد": "أريد تركيب الأسلاك من أجل مناسبة عائلية لأبدو أنيقة وجميلة، رغم أنني لا أعاني من أي مشكلة في أسناني".

لا يتأخر المرمم في إخبارها بالثمن (200 درهم)، قبل أن يأخذ القياسات ويعدها بتهيئة طلبها بعد أقل من ساعة.

ويقول فنيّ أسنان في الدار البيضاء، لـ "العربي الجديدّ: "أنا مرمم ولا أنتحل صفة طبيب"، أمتهن الترميم منذ 20 سنة، كما أنني حاصل على دبلوم (تقني/فني)، من معهد خاص".
وهذا الدبلوم لا يخول، حسب القانون، مرممي الأسنان استقبال المرضى لتركيب ونزع الأسنان وجميع العلاجات المرافقة، بل فقط إنتاج أسنان بديلة وفق معايير ومقاييس محددة وبطلب من طبيب الأسنان، إلا أن هذا المرمم، يقوم بخلع وترميم وتركيب الأسنان، وفق ما عاين "العربي الجديد".

ويرى المتحدث أن ما يقوم به بعض صناع ومنتحلي صفة طبيب الأسنان الذين يحملون جنسيات عربية، هو ما يدعو إلى القلق ودق ناقوس الخطر، مشيراً إلى أنه يستقبل بشكل يومي ضحايا هؤلاء الصناع والأطباء المزيفين.

يقول صانع أسنان من جنسية عربية (بحسب البطاقة التي قدمها لنا، والتي يقول إنه تسلمها من إحدى كليات طب الأسنان) إنه اختار مدينة البيضاء لمزاولة المهنة، متنقلاً من بيت لآخر، كما يستقبل الزبائن في منزله، مستعيناً بحقيبته السوداء التي تحتوي على كل الأدوات الضرورية لخلع وتركيب وتنظيف الأسنان.

قدم الرجل خدماته للعديد من الحالات، ومنها الشابة هبة (16 سنة) التي تقول عنه إنه "محترف" فقد ركّب لها ضرسا بمبلغ 150 درهما، بعد أن طلبت منها طبيبة الأسنان 1200 درهم، وهو المبلغ الذي لا يمكن لأسرتها الفقيرة توفيره، بحسب قولها.

الفقر ليس سبباً

تستبعد طبيبة الأسنان مريم الجاوي، من مدينة الدار البيضاء، أن يكون انخفاض التكلفة هو السبب الرئيسي وراء تفضيل الزبائن الذهاب إلى صناع ومرممي الأسنان "فبعملية بسيطة نجد أن الثمن واحد تقريباً، لكن الجهل وغياب الوعي بطب الأسنان عند المغاربة، هو السبب في ذلك". وتسأل: "كيف يعقل أن يسلم مريض فمه لصانع أو مرمم أسنان عشوائي في محلات أو أسواق شعبية"؟

توضح لـ "العربي الجديد" أنها تستقبل في عيادتها، بشكل يومي، ضحايا صناع ومرممي أسنان مغاربة. غير أنها سجلت في الآونة الأخيرة حالات كثيرة لمرضى بإصابات في الفك أخبروها أنهم سلموا أفواههم لصناع يقدمون خدمات منزلية.

مخاطر خلع الأسنان عشوائيا (العربي الجديد)


وتقول الجاوي إنّ "الشارلاطون" (وهو الاسم الذي يطلقه الأطباء على صناع الأسنان "الدخلاء")، يتكاثرون يوماً بعد آخر. منهم من احترفوا صناعة الأسنان بالوراثة أو التجربة، ومنهم حملة الدبلومات، وبعضهم يتجاوزون مهاهم ويتطاولون على اختصاصات طبيب الأسنان.

وتشير خريجة كلية طب الأسنان التي قضت أكثر من 16 عاماً في الميدان، إلى المخاطر التي يعرّض لها المواطن نفسه مقابل توفير مبلغ بسيط، قد يضطر لصرف أضعافه بسبب أضرار أو مضاعفات قد تصيبه.

وهناك عشرات من الوفيات المسجلة عند صناع وممتهني طب الأسنان، في مختلف المدن المغربية، والذين يتعرّض زبائنهم لكسور في الفك أو عدوى أمراض مثل التهاب الكبد، وآخر هذه الحالات وفاة فتى في الثانية عشرة من العمر في 14 أغسطس/ آب الماضي، إثر تسمم جرثومي في الدم أعقبه نزيف بعد قلع ضرس لدى مرمم أسنان كان يمارس المهنة على أنه طبيب، بمدينة تطوان (شمال المغرب).

شهادة وفاة الطفل (العربي الجديد)


يقول رئيس هيئة أطباء الأسنان بالمغرب، محمد جرار، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الممارسات غير القانونية تسبب إعاقات بدنية وأمراضاً خطيرة وتشكل عبئاً على ميزانية الدولة لعلاج مضاعفات هذه الأمراض، كما تمس بسمعة البلاد وتضعّف من الإمكانية المتاحة لاستقطاب الاستثمارات في ميدان طب الأسنان".

ويحمّل المتحدث السلطات العمومية المسؤولية عن "إغلاق هذه الأوكار العشوائية والتدخل بحزم للقضاء على هذا الخطر الصحي"، مشدداً على "ضرورة التطبيق الصارم للقانون والتحرك العاجل لإغلاق هذه المحلات مع متابعة كل منتحل صفة يمارس مهنة طب الأسنان، وكذا مراقبة التجاوزات والخروقات تفادياً للمزيد من الضحايا وحفظاً لحياة وصحة المواطنين".

رئيس هيئة أطباء الأسنان بالمغرب محمد جرار (العربي الجديد)
 

المساهمون