صناديق دافئة بدلاً من رمي الرضّع

صناديق دافئة بدلاً من رمي الرضّع في الدنمارك

25 أكتوبر 2017
تنقسم المجتمعات بين مؤيّد ومعارض لصناديق الرضّع (العربي الجديد)
+ الخط -

يُناقش المشرّعون في الدنمارك إنشاء حاضنات دافئة في الشارع للأطفال غير المرغوب فيهم، بهدف منع رميهم على الطرقات، من دون أن يحظى الاقتراح بترحيب مُطلق.

لطالما أعربت السلطات في كوبنهاغن عن قلقها من جرّاء إلقاء رضّع غير مرغوب فيهم من قبل أهلهم. ومنذ عام 2004، فقد 5 رضع حياتهم نتيجة رميهم في الأحراج وغيرها. ومؤخّراً، عثر على جثة رضيع في حقيبة رياضية في إحدى ضواحي كوبنهاغن، ما أعاد الجدال حول أهميّة إقرار تشريعات تسمح ببناء حاضنات في عدد من المناطق، ليستطيع الناس وضع الأطفال الذين لا يريدونهم في داخلها.

وعادةً ما تتدخّل الشرطة والبلديات للبحث عن المسؤولين عن رمي الرضع، قبل العمل على إيجاد مأوى مناسب لهم. وأُثيرت أيضاً التعقيدات المتعلّقة برغبة الأزواج في تبنّي أطفال من خارج هذه الدول. في الوقت الحالي، يسعى المعنيون إلى إقرار تسهيلات لتبنّي الرضع الذين تتكفل الدولة بنقلهم إلى مراكز إيواء خاصة.

ويسعى المشرّعون في كوبنهاغن إلى تبنّي النموذج الألماني المعمول فيه منذ عام 2000، وقد بنت السلطات حاضنات خارجية دافئة ليتمكن الناس من وضع الرضع الذين لا يريدونهم فيها، تتضمن نظام إنذار يساعد الموظفين على إنقاذ الرضّع، ثمّ البحث عن عائلات رعاية.

في ألمانيا أكثر من 100 حاضنة، وضع في داخلها أكثر من 500 رضيع من بين آلاف آخرين رموا في أماكن مختلفة. وفي وقت يسعى المشرّعون إلى سنّ قانون يسمح ببناء تلك الحاضنات، ترفض نقابة القابلات في البلاد الأمر، إذا ترى أنّها تعبير عن تقصير في تقديم العون للذين يعانون من مشاكل اجتماعية". وتقول مديرة نقابة القابلات، ليليان بوندي، إنّ فكرة "التسليم المجهول ستعني فتح نافذة استغلال، ليصبح هناك مخرج سهل للحمل بدلاً من مواجهة المصاعب الاجتماعية وحلها".



وتتحدّث نقابة القابلات عن مشكلة أخرى تراها "خطيرة جداً"، في ظل وجود "عدد كبير من النساء المقيمات بشكل غير قانوني في البلاد، منهن من يتعرّضن للاضطهاد، ويُجبرن على ممارسة الدعارة. وعادة ما يطلب المشغلون من هؤلاء النساء رمي الرضع والتخلص منهم، ما يعني أنّنا نقدّم لهم المساعدة". وتقترح النقابة أن يصار إلى "منح النساء المقيمات بشكل غير قانوني في البلاد، واللواتي لا يحملن رقماً وطنياً، التوجه إلى العيادات لإنجاب أطفالهن من دون الإفصاح عن هويتهن حفاظاً على حياة الرضع وحياتهن".

وفي حال عجزت السلطات عن إيجاد الوالدين الحقيقيّين، تضع الرضيع في أحد الدور حتى يصير في الثالثة من العمر، قبل نقله إلى عائلة بالتبني. يُشار إلى أن إحدى الحوادث التي ساهمت في تغيير مواقف رؤساء سابقين في يسار الوسط هي عثور عمّال بناء على جثة رضيع أثناء عمليات الحفر بالقرب من كوبنهاغن. هؤلاء كانوا قد رفضوا إنشاء حاضنات مجهولة باعتبار أن رمي الأطفال ليس أمراً شائعاً في البلاد.،إلا أن تعدد الحوادث ساهم في إعادة الجدال حول هذه القضية.




ولا يقتصر رمي الرضع على الدنمارك وألمانيا والسويد. بل إن هذه الظاهرة، وفقاً لتقارير أممية، تنتشر في مجتمعات عدة حول العالم. في الهند، وبسبب تقاليد اجتماعية ترتبط بتكاليف الحياة والزواج، يضع الأهل الرضّع الإناث في حاضنات مجهولة، بدلاً من الإجهاض أو غيره.

ولأن قضيّة رمي الرضع ظاهرة عالمية، انتشرت خلال السنوات الأخيرة في عدد من الدول الأوروبية "صناديق دافئة" (حاضنات) لوضع الرضع فيها. في ألمانيا، سنّ قانون يسمح للأهل بوضع الرضع غير المرغوب فيهم في هذه الحاضنات الموجودة خارج بعض المستشفيات في برلين وغيرها، مع توجيهات حول كيفية وضع الرضع وتدفئة الصندوق وإغلاقه ليسمع الموظفون صوت صفارة الإنذار. كذلك، يسمح الألمان للأهل بالتراجع عن القرار واستعادة الطفل.

وجاء التشريع الألماني إثر حوادث صادمة في تسعينيات القرن الماضي، أودت بحياة عدد من الرضع، وصلت حد قتل رضع لاسكاتهم قبل رميهم. وفي عام 2000، رمت أم رضيعها من الطابق الخامس، ما أثار جدالاً كبيراً في البلاد أدى إلى تبني التشريع.



وفي المجر، تنتشر ظاهرة "الصناديق"، ويسمح القانون بتسليم الرضع، إلا أنه يعاقب من يرمي رضيعاً بهدف التخلص منه. وأظهرت دراسة مجرية في عام 2013 أن "الأمهات يعمدن إلى التخلص من الرضع بنسبة أكبر من الرجال". وكما هو الحال في ألمانيا والمجر، فإن ظاهرة الحاضنات المجهولة تنتشر أيضاً في إيطاليا وبلجيكا وجمهورية التشيك وسويسرا.

وتنقسم المجتمعات بين مؤيّد ومعارض لصناديق الرضع. ويرى البعض أن الصناديق فكرة جيدة لإنقاذ الأرواح، في وقت يعتبرها آخرون دليل عجز المجتمعات عن حل مشاكل اجتماعية يعاني منها الأهل. وبدلاً من البحث عن حلول، بحسب المعارضين، تستسهل المجتمعات المتقدمة "منح الأهل حق رمي الرضع غير المرغوب فيهم من دون الكشف عن أنفسهم، ما قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة لدى الأهل والأطفال في المستقبل". وكانت الأمم المتحدة قد أعربت عن معارضتها تسليم الرضع بشكل مجهول، إذ يتنافى الأمر مع شرعة حقوق الطفل.

ويتعاطف المؤيّدون لفكرة التخلّص المجهول من الأطفال مع الأمهات اللواتي يعانين من ظروف صعبة جداً قد تكون أكثر خطراً على حياتهن وحياة الطفل. في حين يرى آخرون أن المجتمعات فشلت في حماية النساء، ليساهم الصندوق في تكريس وتشجيع الاستغلال.

دلالات