قُبل بتركيا وتونس... عندما تشغل القبلة الرأي العام والسياسي

قُبل في تركيا وتونس... عندما تشغل القبلة الرأي العام والسياسي

14 أكتوبر 2017
المعارض التركي قادري غورسيل لحظة إطلاق سراحه(ياسين أكغول/فرانس برس)
+ الخط -
عندما أطلق سراح الصحافي والمعارض التركي قادري غورسيل من السجن أواخر الشهر الماضي، اتجه مباشرة نحو زوجته نازير، وقبلها قبلة طويلة أمام السجن ورجال الشرطة، وعلى مرأى من عدسة الكاميرا التي نشرت صورة الزوجين حول العالم، ما اعتبر انتهاكاً للمجال العام وتحدياً لتعاليم السياسة المحافظة في تركيا، هكذا تصف صحيفة "نيويورك تايمز" ما جرى.


القبلة كانت إحدى طرق التعبير عن الحرية في تركيا مع اشتداد القمع، بحسب "نيويورك تايمز" التي قابلت غورسيل. وسبق أن ألقي القبض على الأخير مع عشرات الآلاف من الأشخاص، وسط عمليات "التطهير" وحالة الطوارئ التي نتج عنها إبعاد آلاف آخرين من وظائفهم أيضاً، إثر محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي.

وتشغل القبلة الرأي العام في أكثر من مكان في العالم في الآونة الأخيرة، خصوصاً أنها تحمل في علانيتها سمات المعارضة للسلطات، ومواجهة القمع السياسي والمجتمعي معاً. وتأتي "قبلة" تركيا وإعادتها إلى الواجهة من جديد، بعد مضي أيام قليلة على "قبلة" تونس التي قسمت الرأي العام ووسائل الإعلام بين مؤيد ومعارض، وسببت أزمة دبلوماسية مع فرنسا كون أحد الطرفين يحمل الجنسية الفرنسية.

القبلة بالنسبة للمعارض التركي غورسيل، وإن كانت عفوية، إلا أنها ترمز إلى شخصيته وأفكاره. هو كاتب عمود رئيس في "جمهوريت"، أكبر الصحف المعارضة في تركيا، وعضو مجلس إدارة المعهد الدولي للصحافة، والذي يعمل من أجل حرية الصحافة، هو واحد من أبرز السجناء السياسيين الذين اعتقلوا في الحملة الأخيرة.

وقال قادري "القبلة لم تكن تصرفاً له مغزى سياسي، بل حصلت بطبيعية". وتابع "جرى تفسير ذلك على أنه عصيان للثقافة السياسية، وانتهاك للمجال العام ولوقار الاتجاه المحافظ"، مضيفاً "أعتقد أننا حققنا نتائج جيدة، وكان ذلك ضرورياً".


وفي واحدة من أولى مقابلاته بعد 11 شهراً في السجن، عبّر غورسيل (56 عاماً)، المفكر والمثقف، عن غضبه لما سماه "التهم التي لا أساس لها ضده وضد زملائه".

وسجن غورسيل بتهمة دعم منظمة إرهابية في لائحة اتهام جماعية ضمته و18 شخصاً آخرين، وما زال يواجه اتهامات خطيرة، إذ إن معظم العاملين في صحيفة "جمهوريت" وجهت إليهم اتهامات، بما في ذلك صحافيون، ومديرون تنفيذيون، ورسام كاريكاتير ومحاسب. واحتجز الجميع مدة 11 شهراً، ولم يبق من المجموعة سوى ثلاثة في السجن وهم: المراسل أحمد سيك، ورئيس التحرير مراد سابونكو، والرئيس التنفيذي للصحيفة الورقية، أكين أتالاي.

ويقول غورسيل في المقابلة "أتحكم بغضبي، لكن الشخص الذي بقي 11 شهراً في السجن، يجب أن يكون غاضباً. أنا غاضب جدا".

الطوق الأمني المفروض على صحيفة جمهوريت التركية المعارضة(تويتر) 



وذكرت منظمات حقوقية أن أكثر من مائة وسيلة إعلامية أغلقت في تركيا، وأكثر من 120 صحافياً اعتقلوا. في حين نفى الرئيس رجب طيب أردوغان ذلك، مشيراً إلى أن اثنين من الموقوفين من الصحافيين أما الباقون فهم داعمون للإرهاب.

ومجموعة "جمهورييت" الإعلامية متهمة بمناصرة حركة غولن، وكذلك حزب العمال الكردستاني، وأحزاب يسارية محظورة. ومن التهم الموجهة إلى غورسيل على وجه التحديد، التواصل مع أنصار غولن عبر رسائل مشفرة من خلال تطبيق "بيلوك". ورفض الاتهامات عبر شهادة مطولة أدلى بها خلال المرحلة الأولى من محاكمته في يوليو/ تموز 2016. ويعتبر الآن أنه ما كان ينبغي احتجازه أو اتهام بالأصل.

وأشار إلى أنه لم يكن التطبيق المشار إليه موجوداً على هاتفه، لافتاً إلى أنه، على الرغم من تلقيه عشرات الرسائل قبل بضع سنوات من غولن في حملته لكسب التعاطف والدعم، فإنه أنه لم يرد على أي منهم.

لم تنته محاكمة غورسيل، وأفرج عنه نتيجة ضغوط دولية، هو بانتظار مواصلة محاكمته نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إذ من الممكن أن يحكم بالسجن مدة تصل إلى 15 عاماً في حال ثبت أنه مذنب.

ولم يشأ الحديث للصحيفة عن شروط الاعتقال في سجن "سيليفري"، لكنه قال إن المئات يقبعون في ذلك السجن من السجناء السياسيين وحكام المقاطعات وقادة الشرطة ورجال أعمال أغنياء، ومقاتلين من اليسار المتطرف، وأكراد من أعضاء البرلمان، ومدافعين عن حقوق الإنسان.



ويؤكد غورسيل عدم تأييده أو تضامنه مع حركة غولن، وقال إن "جماعة غولن بذلت ما في وسعها لتقويض الديمقراطية في تركيا، ومن خلال تزوير الأدلة في المحاكمات، وتصفية الناس في الجيش والقضاء". وأضاف "لكنني أؤيد حقهم في محاكمة عادلة، هذا حق لا جدال فيه لأي شخص في تركيا".

ولد غورسل وترعرع في إسطنبول، والده كان رجل أعمال، انخرط باليسار في وقت مبكر من حياته. وفي سن الثامنة عشرة، سجن مدة أربع سنوات تقريباً بسبب الانتماء إلى منظمة غير مشروعة وارتكاب جرائم ضد الدولة.

وعلى مدى العقد الماضي، كانت أعمدته ومقابلاته التلفزيونية تثير حفيظة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحتى مديرين ومسؤولين في الصحيفة. 



ويقول: "سجنت لأنه لم يبق هناك أي أداة لإسكاتي"، واختتم "كانوا يريدون إسكات الصحيفة ومعاقبتها على المقالات المزعجة، وأرادوا تسوية حساباتهم معي".

والجدير ذكره أن قبلة الشاب الفرنسي من أصول جزائرية نسيم عوادي لصديقته التونسية في مدينة قمرت السياحية في تونس، انتهت بأن حكم القاضي على الأول بالسجن مدة أربعة أشهر ونصف الشهر، وعلى الفتاة بالسجن ثلاثة أشهر لأنهما جاهرا بممارسة الفحشاء، وأخّلا بالآداب العامة. في حين أن قضايا أساسية تخص حياة المواطنين عموماً، وتجعلها على المحك في أكثر من ملف، تبقيها السلطات في الأدراج، وتهمل وتماطل في متابعتها.

الشاب الجزائري الفرنسي نسيم عوادي سجن بسبب قبلة (فيسبوك) 




أما القبلة الأسبق الراسخة في أذهان التونسيين، فتعود إلى أواخر أغسطس/ آب الماضي، عندما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قبلة المتحدث الرسمي للجبهة الشعبية حمة الهمامي لزوجته راضية النصراوي احتفالاً بعيد زواجهما الـ 36 في أحد المطاعم.


حمة الهمامي وزوجته (فيسبوك)



ويذكر أن النصرواي خاضت إضراباً عن الطعام بعد رفع حماية الأمن الرئاسي عن زوجها حمة الهمامي، واستبدالها بحماية وزارة الداخلية.