أطلّ على مقبرة

أطلّ على مقبرة

16 يناير 2017
خوف (إيد جونز/ فرانس برس)
+ الخط -
خللٌ حاد أصاب ذاكرتي مؤخّراً، حين استيقظت من دون أن أتذكّر شيئاً من أحداث الليلة الماضية. لمدّة دقيقتين، استمرّ فقدان الذاكرة. ماذا لو طال أكثر؟ لاحقاً، عرفت أنّ الأمر طبيعي، وهو نتيجة الإرهاق والتعب. في يوم آخر، حدث أن رددت على سلام رجل التقيته في السوق، مصطنعة معرفته. كنت أكيدة من أنّنا التقينا سابقاً. لكنّني احتجتُ إلى ربع ساعة، لأتذكّر أنه الجار الذي أدفع له الفواتير شهرياً في المبنى الذي أسكنه.

كثيرة هي الأفكار التافهة التي تسيطر بوقاحة على عقلي. أفضّل نصف وجهي الأيسر على الأيمن. هذه فكرة غريبة ربّما. وفي الجهة الأحبّ إليّ، أجد أن حاجبي مرسوم بشكل أجمل، وعيني أكثر بريقاً وحيوية، كما أنّ أنفي يبدو أنيقاً. ورغم أنّني لا أثق بالدراسات في العادة، إلا أن إحداها تقول إن "اختلاف شطري الوجه علامة من علامات الجمال، إذ أن الوجوه المتطابقة مريبة وبعيدة عن القلب". وتعزو الدراسة الاختلاف إلى كون الجزء الأيسر من الوجه يتحكم فيه الجانب الأيسر من العقل، المسؤول عن العواطف والمشاعر، فيما يأخذ الجزء الأيمن الديناميكيّة الموجودة في الجزء الأيمن من الدماغ. لذلك، غالباً ما يكون الجزء الأيسر أكثر جمالاً".

أدرك أنّني كائن ممل جداً، وأردّد الأشياء نفسها منذ أعوام. وأنا في حالة انتظار دائم لما هو جديد ومختلف. في الوقت الحالي، مللت من الاستيقاظ باكراً لكتابة تقارير رديئة لا أحد يقرأها. الحياة الهادئة والمستقرة التي أعيشها لا تناسبني. لا بد لي أن أشغل نفسي بأي شيء تافه أو مهم. إذاً، فلتنتفض الأفكار وتبتلعني، أنا السمكة وهي سرب من الحبار. أفكار لا جدوى منها إلّا لتحفيزي.

لسبب ما، تعمّقت في القراءة مدة أسبوع عن المجرمين والسفاحين وآكلي لحوم البشر. وبعدما قرأت الكثير عنهم، شعرت بخوف شديد، وقلت لنفسي إنه لا مبرّر لحالة الخوف هذه. لكنّني أبحث عن شيء ما. خلتُ أن قراءة القصص البوليسيّة قد تساعدني على الخلاص. لكن كلّ ما حولي يجعلني مرتابة من البشر. أحياناً، أفكّر في أنّ جميع الكائنات هي مشاريع مجرمين، خصوصاً الوجوه الحزينة التي تبدو مثل شموع ستذوب في النهاية.

في نفق المترو، خشيت أن يرمي بي أحدهم فوق السكة، فأنتهي. وفي الليل، خشيت خطوات قد تلاحقني فجأة. كان الليل بارداً والجو غائماً. وما إن وصلتُ إلى البيت حتى رأيت عجوزاً تخرج رأسها من النافذة وترمقني بعيون مريبة. خلتُها مثل أفعى، وربّما تتحضّر لتتحوّل إلى ذئب رمادي. كيف لا وشرفتي تطلّ على مقبرة؟

دلالات

المساهمون