كرة قدم "شرعية"

كرة قدم "شرعية"

29 يوليو 2016
تبدو قادرة على التحكم بسير حياتها (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -
ظهرت مؤخراً في الجنوب اللبناني عدة قرارات مستغربة من قبل بعض البلديات، فحواها عدم الاختلاط بين النساء والرجال. من قرار بلدية جبشيت بإرغام محل لألعاب الكمبيوتر على الإقفال في أوقات الصلاة واحترام عدم الاختلاط بين الصبيان والبنات، مروراً بقرار رئيس بلدية الخيام بعدم السماح بتسجيل الفتيات للمشاركة في سباق ماراثون، وصولاً إلى قرار بلدية عيترون بفصل الرجال عن النساء في المسابح.

نالت هذه القرارات قدرها الكافي من الاستنكار لدى عدد من الناشطات النسويات والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن بالنظر إلى هذه الممارسات، يتبين أنها نتيجة تلقائية وطبيعية لجملة مواقف واتجاهات يملكها القائمون على التركيبة السياسية – الاجتماعية – الثقافية في الجنوب اللبناني. قد لا تعكس هذه القرارات بالضرورة وجهة نظر المواطنين والمواطنات فيها، وقد لا تجد من يتبناها حكماً، لكنها تستمد "شرعيتها" الثقافية من كونها صادرة عن مجلس بلدي أو رئيس بلدية، أي ممثلين للحكم المحلي الرسمي في البلدة.

في السياق الطبيعي للأمور، نجد أن ممارسات، مثل تعدد الزوجات لدى الرجل تحت مسميات ومبررات عدة (كوصف الزواج من الأرامل فعل خير أو ما شابه)، أو زواج المتعة، تجد جذوراً شبيهة بقرارات منع الاختلاط، فكلا الأمرين صادر من المنبع الذكوري نفسه. كما أن الفصل بين النساء والرجال في الأماكن الدينية، أو في مناسبات الفرح والحزن، هي نفسها شبيهة بقرارات الفصل التي صدرت مؤخراً. اللافت أن هذه الممارسات تجاه النساء (ومن قبلهن أحياناً) لم تكن هي الحال السائدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ولا تزال بعض النساء في بعض قرى الجنوب لديهن مساحة من السيطرة على حياتهن، كأن تملك إحداهن متجراً للثياب، أو تبقى أخرى في عملها حتى ساعة متأخرة دون أن تخشى بالضرورة التعرض لأية ممارسة من ممارسات (الأمر بالمعروف).

في السياق نفسه، حدث أن شاركت مجموعة من الفتيات في نشاط رياضي تمحور حول كرة القدم في مدينة بنت جبيل الجنوبية الأسبوع الماضي. أقيم النشاط في ملعب كرة القدم التابعة للمدينة بالتعاون مع فريق كرة القدم التابع لإحدى الأكاديميات. تركز التمرين على تمرير الكرة وتسديدها وغير ذلك، وقد شاركت الفتيات بفرح هذه التجربة، وإن كانت إحداهن قد أشارت إلى أنها ما كانت لتشارك لو كان النشاط مشتركاً بين الصبيان والفتيات.

قد يكون التعليق أعلاه عابراً. لكن فيه تكمن خطورة أن يتحول السلوك الخارجي المفروض بالإكراه ليصبح وكأنه "سلوك" داخلي يتبناه الشخص. إحدى الصديقات السويديات اضطرت إلى لبس غطاء للرأس أثناء عملها في إحدى الدول التي تفرض الغطاء، طوال فترة ستة أشهر. حين عادت إلى السويد، شعرت بإحساس "العري" حين خلعت الغطاء لأول مرة. هل يقول لنا هذا المثل شيئاً؟

(ناشطة نسوية)

المساهمون