زينة القدس تستقبل رمضان رغم الألم

زينة القدس تستقبل رمضان رغم الألم

05 يونيو 2016
الزينة في شوارع القدس بالرغم من التضييقات (فرانس برس)
+ الخط -
خلف أضواء زينة رمضان التي وضعت قبل عدة أيام في أسواق وحارات البلدة القديمة من القدس، واقع اقتصادي ومعيشي يتحدث عنه المقدسيون بألم وحرقة بينما هم يستعدون لاستقبال شهر رمضان المبارك، ويأملون أن يكون هذا الشهر فاتحة خير عليهم تنعش حركة التسوق في أسواق البلدة القديمة.

الأسواق عانت من ضربة قاصمة بعد الهبة الشعبية التي تفجرت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بفعل إجراءات الاحتلال المشددة والقيود التي فرضت على حركة المواطنين وتنقلاتهم، وعزوف أعداد كبيرة منهم عن التوجه إلى الأسواق تجنباً لاعتداءات جنود الاحتلال الإسرائيلي وممارساتهم التي يصفها التجار والمواطنون بالعنصرية.

في باب العمود، وقبل أيام معدودة فقط من شهر رمضان، تتجلى مظاهر الاحتلال بأبشع صوره. فعناصر شرطة السير، وكذلك طواقم بلدية الاحتلال في القدس تحرر بالجملة مخالفات ضد مركبات فلسطينية خاصة لم يجد أصحابها مكاناً لركنها إلّا أرصفة لونت باللونين الأحمر والأبيض يحظر الوقوف عندها، لكن لا مكان آخر، حيث تزدحم مواقف السيارات المرخصة بأعداد كبيرة من السيارات. يقول رشيد خورشيق، وهو سائق مركبة عمومية لـ"العربي الجديد": "لا يكاد يمر يوم من دون أن تحدث احتكاكات ومناوشات بين السائقين والشرطة وبلدية الاحتلال التي تطارد طواقمها مركباتنا. وهذا لا ينطبق على المركبات التي يقودها مستوطنون يتجولون هنا بحرية، بل يسمح لهم بدخول البلدة القديمة من دون عائق أو مانع".

كان خورشيق قد تلقى قبل يومين غرامة مالية من شرطة الاحتلال، بدعوى إيقاف سيارته على رصيف قريب من سوق المصرارة غرب منطقة باب العمود، أحد الأبواب الرئيسية للقدس العتيقة. قيمة المخالفة هذه عشية رمضان تساوي ثلاثة أيام من العمل المتواصل على مركبته. وهو ليس الوحيد بين أقرانه ممن لاحقتهم طواقم الشرطة والبلدية، وتلقوا مخالفات من هذا القبيل.

عند مدخل باب العمود، والذي تزين بزينة رمضان، وسبق ذلك تشويه سور الباب بألوان غريبة انبعثت من "مهرجان الأنوار" العبري الذي ترعاه بلدية الاحتلال، يتخذ إبراهيم شبانه، أقدم بائع صحف مقدسي ركناً صغيراً له في زاوية الباب. تلاصقه مجموعة من الجنود من وحدة خاصة حولوا حياة الشبان المقدسيين إلى معاناة يومية. وتسببوا في عزوف المواطنين عن الاقتراب من بسطة الصحف والمجلات التي يعتاش منها منذ أكثر من نصف قرن.

يقول لـ"العربي الجديد": "لا نستطيع العمل. كما أنّ جنود الاحتلال يوقفون كلّ شاب يمر من هنا، ولا تسلم الفتيات والسيدات منهم".

في ذروة الهبة الشعبية وما تلاها، كان شبانه شاهداً على عدد من جرائم الإعدام التي اقترفها جنود الاحتلال في ساحة باب العمود، وهو يتذكر جيداً ما حدث مع الشهيد محمد سعيد علي، وكيف قتل الجنود بدم بارد شهيدا فتى من الخليل من عائلة سدر، وأيضا شاهد بأم عينه، كيف أطلق الجنود النار على الشاب محمد خلف حتى مزقوا جسده بعشرات الأعيرة النارية.

مشاهد يتذكرها أيضا جيرانه من أصحاب المحال التجارية في باب العمود، والذين لم تبهرهم زينة رمضان، فيما هم يستقبلون الشهر الفضيل بمداهمات لمحالهم، ومطالبات مالية من قبل الضريبة وبلدية الاحتلال التي لا تتورع عن مداهمة محلاتهم ومصادرة ما فيها من بضائع، وإزالة البسطات وتحرير مخالفات عليها وعلى يافطات محلاتهم كما يقول ناصر عابدين لـ"العربي الجديد"، وهو صاحب محل للألبسة داخل سور باب العمود.

وبالرغم من أجواء التضييق والمعاناة التي يئن تحت وطأتها التجار والمواطنون المقدسيون على حد سواء، تبرز الاستعدادات لرمضان بمظاهر احتفالية مختلفة.

أصحاب المحال التجارية كدسوا بضائعهم استعداداً للشهر الفضيل، خصوصاً مأكولات الشهر المفضلة من الجوز، والكلاج، والأجبان، والألبان بمختلف أنواعها، إضافة إلى التمور، والخروب، والعرق سوس، في حين بدت الاستعدادات واضحة لدى أكشاك وبسطات القطايف الرمضانية وأشهرها محلات دعنا، عند المدخل الرئيس لسوق اللحامين، وهو واحد من أشهر أسواق البلدة القديمة. وتملك عائلة الشهيد محمد سعيد علي، أحد أبرز شهداء هبّة القدس الشعبية، في السوق عدة محلات لبيع اللحوم الطازجة. وكذلك الحال بالنسبة لعائلة قرش التي تتابع ما يجري في حارة السعدية من استعدادات من قبل المستوطنين للسيطرة على منزل أحد أفراد العائلة.

مظاهر رمضان في القدس تبدو واضحة للعيان أكثر في شارع الواد، وهو شريان رئيسي من الحركة باتجاه المسجد الأقصى. وبات يطلق المقدسيون عليه شارع مهند الحلبي مفجر "ثورة السكاكين"، كما يقول تجار الشارع الذين اكتووا لاحقاً بإجراءات الاحتلال القمعية بحقهم انتقاماً لعملية الحلبي التي قتل فيها مستوطناً وأصاب آخرين.

في هذا الشارع، اتخذ رمضان شكل الزينة المعتادة. تعلو في هذا الشارع أصوات الأناشيد الدينية والوطنية المنبعثة من محلات الزغير التي تتوسط سوق شارع الواد. ويزدحم المحل بفوانيس رمضان من مختلف الأحجام. ويأمل صاحب المحل أن يأتي رمضان هذا العام بالخير والأمل للمقدسيين.

ولعلّ زينة رمضان في حارة باب حطة أكثر حضوراً من غيرها. ولطالما نافس شباب الحارة نظراءهم في حارات القدس العتيقة وتفوقوا عليهم في حجم الزينة وروعتها، وما تتركه من سعادة وبهجة في نفوس الأطفال وحتى كبار السن.

وكانت هذه الحارة على الدوام مسرحا لمقارعة جنود الاحتلال، وبوابة الدفاع الشمالية عن المسجد الأقصى في كلّ حين يتعرض فيه المسجد لتهديدات وأخطار المستوطنين وجنود الاحتلال، كما يقول الحاج يوسف الدويك لـ"العربي الجديد"، وهو من كبار سدنة وحراس المسجد الأقصى. يبتهل إلى المولى أن يحفظ القدس والأقصى في رمضان، وأن يفتح الطريق إلى تحريره في الشهر الفضيل. ومع ابتهالاته ينطق لسان حال المقدسيين: "باقون.. وكلّ رمضان وشعبنا وأمتنا بألف خير".