قلبان لأب

قلبان لأب

19 يونيو 2016
هذه مشاعر متراكمة ظلّ يجمعها طوال سنوات (فرانس برس)
+ الخط -

حمل كيس المفرقعات وصعدا معاً إلى السطح. نسيا القدّاحة، فنزلا إلى البيت لجلبها، ثم صعدا مجدداً. كلّ هذا جديد بالنسبة إلى الطفل. داخل الكيس علب صفراء صغيرة، فيها دوائر بيضاء محشوّة أشبه بحبّات الثوم. حتّى أنّنا كنا نسمّيها الثوم. يرمي الواحدة تلوَ الأخرى على الأرض. يصرخان معاً هو وحبّة الثوم. تنتهي الحبّات ويفرح بأصوات "فرقعة" تصدرها توحي إليه بحياة.

هذا الجدّ لن يبقى طويلاً في بيروت. ولأن أيامه قليلة هنا، سيستبق ما حلم بأن يفعله مع حفيده في العيد. لا تعنيه المفرقعات. يعنيه وجودهما معاً. وأكثر، أبوّةٌ حرمته الظروف من تفاصيلها. الحفيد يُناديه جدّي أو "جدّو". أما هو فيشعر بالأبوّة. ليس ولد الولد أغلى من الولد. بل هو تكملة، جزءٌ صغير من جزء آخر صار أكبر.

أشعل له عوداً نسمّيه "الفشفيش" عندما يحترق ويضيء ما حوله، وراح يرسم فيها دوائر قبل أن تنطفئ. يُشعل أخرى والجدّ لا يملّ ولا يسعى إلى إقناعه بالتوقّف. جدّ أم أبّ؟ هو أبّ مضاعف. كأن في صدره قلبان لأبّ.

ينزلان إلى البيت. ينتظره ليغسل يديه وقد حضّر له مفاجأة جديدة. بعد المفرقعات، سيتناولان البطيخ بعدما ينقّيه من البذور. لماذا يتعذّب الصغير؟ يريده أن يستمتع بكل لقمة ولا يضيّع هذه المتعة وهو يبصق البذور.

هذا "غالي" من "غلاوة" أمّه. عرّفه على صديقين عزيزين عليه. يخبرهما أنه "حفيدي، ابن الغالية". يخجل أن يقول إنه ابنه. لن يفهمه أحد. لا يقصد أن يسرقه من والده. هذه مشاعر متراكمة ظلّ يجمعها طوال سنوات غربته حتى بات يملك كنزاً. يصنعُ معه ذكريات هي أجمل ما قد ينقله معه إلى مستقبله. وفي الحاضر، يخبر الطفل صديقه عن جدّه. لا يقول إنه يحبه. يحكي قصصاً فقط. والقصص جميلة وإن حملت أشراراً وذئاباً ومآسٍ.

يكبر الأب ويصبح جدّاً. كأنّه يُكرّم أو يرتقي إلى مرتبة جدّ. حينها، يصير أباً خالصاً بلا تعقيدات أو مسؤوليات غير مسؤولية الحبّ وحدها. ومهما أحبّ، لا يمكن للكنز أن يفنى. داخل الصندوق ماردٌ يسقيه. هذا الجد، الذي هو أب لأمّ، يشبه حفيده. يشبهه منذ وقت أطول، حين كان رضيعاً يحتاج إلى حضنٍ فقط. هذا الجدّ هو مجرّد حضن، لا خطايا فيه. ولو كان قادراً، لرفع كلّ أطفال العالم إلى الضوء لجلبه، وعلّمهم أن يبحثوا عن الأضواء فقط في حياةٍ لا تبشّر بخير.

يُقال إن عيد الأب قد نشأ منذ بدأت عبادة الشمس، التي يراها هؤلاء "أباً" للكون. وهناك ربط بين انقلاب يونيو/ حزيران الشمسي وعيد الأب الذي يصادف في الواحد والعشرين من الشهر الجاري. تفصيل قد لا يكون مهمّاً. لكن ما في الأب ـ الجد يقودنا إلى شموس عدة، وليس شمساً واحدة.

الحفيد سيصنع له الآن قلباً في السماء من مفرقعات أحضرها له.


المساهمون