حكاية نضال الأسير بلال كايد ضدّ السجّان الإسرائيلي

حكاية نضال الأسير بلال كايد ضدّ السجّان الإسرائيلي

17 يونيو 2016
والدة الأسير الفلسطيني بلال كايد (العربي الجديد)
+ الخط -

لا شيء يعادل طعم الحرية لمن ذاق السجن، خصوصا أولئك الذين قضوا عشرات السنين بعيدا عن أهلهم وذويهم، فالصبر على ذلك يكون أصعب من كل شيء، وانتظار ذاك اليوم الذي تشرق به شمس الحرية وتفك الأغلال، يكون على أحر من الجمر. لكن أي شيء متوقع من الاحتلال؛ ففيما كان يستعد الأهل والأحباب لتحرير بلال كايد من الأسر، أحالته السلطات الإسرائيلية إلى الاعتقال الإداري.

مع ذلك، فإن بلال أعلنها معركة بالأمعاء الخاوية ضدّ السجان، وسط مسيرات الدعم من الأهل والرفاق.

أربعة عشر عاما ونصف العام على غياب بلال، أصبحت الحرية قاب قوسين أو أدنى منه. وبدأت عائلة بلال تتجهز ليوم حريته. وعندما اقتربت حريته أكثر، خاض رفاقه وأصدقاؤه بتفاصيل استقباله، فحددوا الأشخاص الذين سيستقبلونه أمام السجن، وأي الطرق المختصرة سيسلك الموكب للوصول إلى بلدته عصيرة الشمالية، شمال مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية المحتلة، وفي أي ساحة سيكون مهرجان الحرية، وكذلك الإفطار الذي أعدوه للمستقبلين، وكثيرة هي التفاصيل التي انشغلوا بها من أجل بلال.
الأسير الفلسطيني بلال كايد، قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومعتقل منذ عام 2002، إبان انتفاضة الأقصى الثانية، كان يبلغ من العمر حينها 19 عاما، وقد اتهمته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالانتماء لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة، والقيام بعمليات فدائية ضد الاحتلال، وكان مقررا أن تفرج عنه سلطات الاحتلال في 13 يونيو/حزيران الجاري.

يقول محمود كايد، شقيق الأسير بلال، لـ"العربي الجديد": "تلقينا قبل قرابة شهر رسالة من نادي الأسير الفلسطيني مفادها بأن بلال أصبح الآن بحوزته ورقة (الشحرور)، وهي ورقة الإفراج التي تسلمها مصلحة السجون لكل أسير قبل الإفراج عنه، وأن ضباط الاحتلال أبلغوه بقرار الإفراج عنه في الموعد نفسه، وأنه لا زال في العزل الانفرادي بمعتقل (هلكدار) القريب من مدينة بئر السبع المحتلة".
يتابع: "على أثر ذلك، أعددنا كل شيء، ويوم الإثنين الماضي انطلق وفد من البلدة ضم العائلة والأصدقاء والمحبين لبلال، إلى بلدة الظاهرية، جنوبي الخليل، حيث سيتم الإفراج عنه"، ويشير كايد إلى أنه ورغم الإغلاقات والحواجز العسكرية الإسرائيلية بعد تنفيذ عملية "تل أبيب" استطعنا أن نصل إلى الظاهرية ووقفنا ننتظر خروج بلال.

بعد فترة من انتظار رؤية بلال يطل عليهم حرا من قيده، تلقى أهل بلال اتصالاً من مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان أبلغتهم بتحويل الأسير بلال إلى محكمة سجن "عوفر" العسكري، المقام على أراضي الفلسطينيين غربي رام الله، وسط الضفة.

يقول كايد: "اعتبرنا هذا الأمر محاولة من الاحتلال لوضع العراقيل على الأهل والتنغيص عليهم وإفساد فرحتهم وتحميلهم الكثير من العبء والتعب، واتجهنا إلى معتقل عوفر الذي يبعد أكثر من ساعتين عن الظاهرية. أثناء سيرنا في الطريق، وصلنا اتصال آخر من مؤسسة الضمير، تم إبلاغنا فيه بتحويل بلال إلى الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر على خلفية ملف سري لدى جهاز الشاباك الإسرائيلي".
كانت صدمة كبيرة لكل عائلته وأحبته وأصدقائه، وكل من سمع الخبر من الفلسطينيين، فهي سابقة خطيرة وموجعة لأسير فلسطيني ينتظر يوم حريته ساعة بساعة، ومؤلمة لعائلته التي تجهزت وأعدت كل شيء لاستقباله، يوضح كايد: "الصدمة كانت صعبة جدا على الجميع، ولا تستطيع الكلمات أن تصف ما حل بنا، لكن أبدا لن نكون كما يريد الاحتلال، وسنصبر كما صبرنا على بعد بلال أكثر من 14 عاما، ولن ينال منا الصهاينة".

لم تهدأ عصيرة الشمالية في تلك الليلة، فمسيرة غاضبة جابت شوارع البلدة، غضبا من قرار الاحتلال، وصولا إلى منزل عائلة الأسير التي كان من المقرر أن يكون بلال قد وصله في تلك اللحظات، فهتف المشاركون لبلال ولعائلته. ولم تقتصر ردود الفعل على بلدته فقط، بل استنكر كثيرون القرار التعسفي، وخرجت مسيرات في مدن الضفة، وعقد مؤتمر صحافي في قطاع غزة يدعو للتصعيد إزاء تحويل بلال للاعتقال الإداري.

وأطلق أسرى الجبهة الشعبية داخل سجون الاحتلال خطوات تصعيدية من الساعة الأولى للقرار، وقاموا بإصدار بيان لجميع الفروع داخل السجن، حيث استنفروا فيه جميع أسرى الجبهة، في حين أضربوا عن الطعام يومين، ودعوا للإضراب أيضا في 22 و23 من الشهر الجاري، بمشاركة أسرى من أحزاب أخرى.
ويسعى الأسرى الفلسطينيون من خلال تصعيدهم لكسر قرار الاحتلال كي لا تتكرر هذه السابقة الخطيرة مع أي أسير آخر، وكي لا يتحول القرار إلى سياسة ممنهجة.
يشير كايد إلى والدته، التي برغم اشتياقها الشديد لبلال، إلا أنها رفضت أن تسمح للاحتلال أن يحقق مراده بأن يقهر عائلته، حيث قالت والدته "شو بدهم يقهروني، فشروا، بلال ما بسكر عليه السجن"، وخرجت مع الشبان لتشاركهم مسيرتهم الغاضبة.

ولفت كايد إلى أن والدته تنتظر شقيقه منذ أربعة عشر عاما ونصف العام، وتحضر طيلة تلك السنين لاستقباله حين عودته، ويقول: "لقد جهزت أمي عددا من الأسماء التي ستعرضها على بلال حين خروجه لتكون إحداهن زوجته، وكانت مصرة على أن يكون عرسه بعد عيد الفطر وبشكل سريع، إلا أن الاحتلال أفشل كل شيء".

وأنهى حديثه بأن "الأمل لا زال موجودا لدينا، لأن إيماننا بقضيتنا كبير وعميق، وما نراه من تضامن ومسيرات واستنكار لما جرى مع بلال يزيدنا أملا، فضلا عن الكثير من الفعاليات والتصعيد الذي تقرر أن يقوم به الفلسطينيون داخل السجون وخارجها، وفي مدن الداخل الفلسطيني المحتل، وفي الشتات من أجل بلال حتى ينال الحرية، ويعود إلى أهله حرا مرفوع الرأس".