المقدسيّون باقون في بيوتهم

المقدسيّون باقون في بيوتهم

02 يونيو 2016
مقدسيّون يوقعون على الوثيقة (العربي الجديد)
+ الخط -
في ظل الاستيلاء الإسرائيلي على بيوت المقدسيين، أعادَ أهلها التوقيع على وثيقة عهد القدس وميثاقها، وتعهدوا بفضح كل من تسوّل له نفسه "تسريب العقارات"

رفضت محكمة العدل العليا الإسرائيلية، يوم الإثنين الماضي، الاستئناف الذي قدّمه المواطن المقدسي مازن قرش (58 عاماً)، ضد إخلاء منزله الواقع في حارة السعدية في البلدة القديمة في القدس لصالح جمعية عطيرت كوهانيم الاستيطانية، بحجة أنه فقد حق الملكية لأنه ينتمي إلى الجيل الرابع. ودخلت عملية الإخلاء حيز التنفيذ، يوم أمس الأربعاء، مع تغريمه نحو 65 ألف دولار.

ويخشى المقدسيون طردهم من بيوتهم بسبب عمليّات بيع جرت، منذ زمن طويل، أو بسبب تزوير عقود البيع والشراء. وعند اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية، غالباً ما تصدر الأحكام لصالح الجمعيات الاستيطانية.

ملف قرش هو أحد الملفات الموجودة في أروقة المحاكم الإسرائيلية منذ عام 2010، وتحديداً بعد وفاة والدته. المحكمة قالت إن وفاتها يعني انتهاء جيل العائلة الثالث المحمي من الإخلاء. وكانت الأسرة قد استأجرت البيت من مالكه الأصلي سليمان جريس حنضل في العام 1936. إلا أن غياب عائلة حنضل جعل الاحتلال يضع يده على العقار تحت ما يسمى "حارس أملاك الغائبين"، وسرّب جزء من البيت للمستوطنين. ويسعى قرش اليوم للبقاء في منزله رافضاً تركه للمستوطنين.

تجدر الإشارة إلى أنه في ما يتعلق بقضية قرش، كانت المحكمة قد حكمت، قبل سنوات عدة، لصالحه في قضية العقار الذي يقطنه، لكن جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية أعادت فتح الملف بعد وفاة والدته، وقد سحبت إحدى الوثائق التي تثبت حق عائلة قرش بالعقار من ملفها داخل المحكمة.

وبهدف وقف تسريب الممتلكات أو الاستيلاء عليها، جددت عائلات مدينة القدس التوقيع على وثيقة عهد القدس وميثاقها، التي تعهدوا فيها بفضح كل من تسوّل له نفسه "تسريب العقارات". من بين الموقعين على الوثيقة، المواطن المقدسي محمد العجلوني، الذي يشير إلى تقديم عقود البيت الذي يقطن فيه إلى دائرة الأوقاف لتحويله إلى وقف وحمايته من التسريب. كذلك، يمكن حماية أي بيت من التهويد من خلال تحويله إلى وقف ذري، الأمر الذي يؤكده مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني.

أثناء اجتماعهم الذي عقد في مقر الجالية الإفريقية في البلدة القديمة، يؤكد أهالي القدس الذين وقعوا على الوثيقة على الحفاظ على ممتلكاتهم مهما تعاظمت الظروف والمغريات، وعدم التفريط بحبة من تراب البلدة القديمة بصفتها ملكاً للمسلمين، مع التزام ممثلي العائلات بتحمل مسؤولياتهم حيال ما يملكه أبناء عائلاتهم من عقارات وممتلكات. كذلك، يتوجّب عليهم متابعتها والتباحث والتشاور في ما بينهم حول أي ضرر، بالإضافة إلى توعية أبنائهم حول خطورة التسريب.


وشددت الوثيقة على اعتبار "كل من تسوّل له نفسه بيع عرضه ووطنه وضميره للاحتلال، خارجاً على الصف الوطني وخائناً لله ورسوله، وتعلن العائلات المقدسية براءتها منه ولا حق له على مقدسي ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يصلى عليه في مساجدهم ولا عزاء له". وطالب الأهالي من خلال الوثيقة جميع الجهات المعنية في القدس، من سلطة وطنية وأوقاف إسلامية وفصائل ومؤسسات وطنية بضرورة اتخاذ جميع الوسائل لملاحقة العملاء والمسرّبين للعقارات والمتسترين عليهم وكشفهم وفضحهم مهما كان نفوذهم أو مكانتهم.

كذلك، طالب أهالي القدس بضرورة تشكيل لجنة أو هيئة عليا يدعمها الجميع وتتكون من أصحاب الاختصاص، على رأسهم محامون وممثلون عن الأوقاف، لتكون مرجعاً في أي عملية بيع يمكن أن تحدث في المستقبل. ولطالما تصدّى المقدسيّون لعمليات التهويد ومصادرة الأراضي والاستيلاء على البيوت داخل البلدة القديمة وفي محيطها، من خلال مساندتهم ودعمهم بعضهم بعضاً.

ويرى أهل القدس أن كل ما في القدس أمانة في أعناقهم، وهم مسؤولون عنها. وجاءت وثيقة عهد القدس تأكيداً على هذا الأمر. في هذا السياق، يقول الحاج مصطفى أبو زهرة، وهو أحد وجهاء المدينة: "كل عقار في القدس هو حصن من حصون المسجد الأقصى. وفي كل عملية بيع انهيار لأحد الحصون. علينا أن نؤازر بعضنا بعضاً، ونقف في وجه هذه الهجمة الصهيونية، ومقاطعة كل من يقدم على هذا العمل".

وبحسب الباحث الميداني، أحمد صب لبن، تقسّم العقارات في البلدة القديمة إلى أنواع، منها العقارات الخاصة والوقفية الإسلامية والوقفية المسيحية، وعقارات الوقف الذر وأخرى وضعت اليد عليها من خلال قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي أو قانون الأملاك العامة. يضيف أنه عادة لا يحصل استيلاء على العقارات بل تسرّب وتباع من قبل الملاكين الأصليين. أما العقار الوقفي، فلا يباع ويمكن تأجيره.

ويشير رئيس قسم مخطوطات المسجد الأقصى الأسبق، ناجح بكيرات، إلى وجود 1450 عقاراً وقفياً للمسلمين، في مقابل 1715 عقاراً للمسيحيين، في حين لا يوجد أيّ عقارات وقفية لليهود. وهناك أكثر من مائة وأربعين منزلاً داخل أسوار البلدة القديمة مهددة بالاستيلاء عليها بفعل الشراء أو التسريب، بالإضافة إلى نحو واحد وسبعين منزلاً سرّب بالفعل لصالح الجمعيات الاستيطانية.