بلا خواتم

بلا خواتم

26 فبراير 2016
لو أن القصة لا تنتهي (غراهام دنهولم/Getty)
+ الخط -
نبحث عن أمر جميل. هل وجدْته؟ إذا فعل، لن يحتفظ به لنفسه. لم يجده بعد إذاً. هل تكون السينما أو حديقة صغيرة لا يعرفها أحد؟ ربما. لكنه جمال نختاره أو نصنعه وليس خاصاً بالبلد الذي نعيش فيه. لا نبحث عن مناظر طبيعية وجبال وثلوج وما إلى ذلك. لا بد من تفاصيل جميلة تسري بيننا. أيعقل أننا لا نرى شيئاً منها؟ بدءاً من هذه الكلمة وحتى نهاية المقال، لا بد أن نجد أمراً جميلاً واحداً على الأقل.

صباحاً ومساءً، يقصد الرجل السبعيني، بثيابه نفسها، صفّ حاويات القمامة وينبش ما فيها. لن نطيل النظر. وإذا ما اجتزنا الشارع وسرنا عميقاً في الزاروب، نجد مكتبة عامة أسفل مبنى قديم. في داخلها طفلان فقط، قبل أن يصل رجل ياباني وابنته التي لم تتجاوز العامين. تختار الكتاب تلو الآخر ولا ترميها أرضاً. تُعجب بالصور وتشير إليها بإصبعها. ترحل. ويرحلون جميعاً. كانوا ثلاثة في مكتبة عامة في بيروت. وهذا جميل.

لن نرى شيئاً آخر. نستعير كتباً مليئة بالصور. هذه خرائطنا إلى الحياة في بيروت اليوم. في الصفحة الأولى أطفال يلعبون الغمّيضة أو الطمّيمة أو الطمّاية أو الاستغمّاية أو الغميمة. وقد ردّد الناس كثيراً أغنية "أعطونا الطفولة". أمهلونا خمس دقائق فقط لنختبرها. سنغلق الشارع ويختبئ الأطفال خلف السيارات وداخل الحانات والمحال التجارية ومداخل المباني. واحد، اثنان، عشرة.. كشفتهم ضحكاتهم، وإن كانوا قد أحسنوا اختيار الأمكنة للاختباء. وهذا جميل أيضاً.

وفي صفحة أخرى، كان يمسك بيدها. وخارج الصفحة، أمسك بيدها أيضاً. لا يناقشان أزمة النفايات والأمراض والهموم المعيشية. يرجئون كل هذا إلى الوقت اللاحق. أمّها كانت تقول لها: "لاحقة على الشقا (الشقاء)". في هذا اليوم، ستشعر بيده فقط قبل أن يشقيا، ولا يشعرا بغير الشقاء. ونكاد نضيق من كثرة الجمال من حولنا.
القصصُ لا تنتهي وإن كانت لها خاتمة. وكثيراً ما نختصر الحياة بفقرات قصيرة، مثل أعمارنا التي تنقضي سريعاً. لا جمال في قصص تنتهي، وإن أقفلت ستارة على قبلة.

من الجنون أن نمزّق كلّ أغلفة الكتب. ماذا لو بدا ذلك جميلاً؟ نمزقها ونجعلها بلا خواتم. وإذا ما صادفتنا نهاية، ستعود إلى هذه القصص. ونزيل الأرقام عن الصفحات ونعيش من دون ترتيب وننسى الوقت الذي تشرق فيه الشمس وتغيب، وننسى أننا ولدنا وسنموت. قبل هذه الجمل، كانت لدينا أغلفة أيضاً وقد مزقناها. وهذا في غاية الجمال.

سنترك الصفحة التي تلي الخاتمة القديمة فارغة. إذا بقيت بيضاء فقد يكون الخيار الأجمل لنا. وها قد وفينا بوعدنا.

اقرأ أيضاً: روحٌ لبيروت

دلالات

المساهمون