قُم من النوم يا غازي

قُم من النوم يا غازي

14 نوفمبر 2016
الأهالي يعوّلون عليك (حسين بيضون)
+ الخط -

لم يستأذن غازي عاد قبل أن يذهب إلى النوم. دخل في الغيبوبة قبل أسبوعين ولم يستفق منها بعد. وجب أن يخرج من غرفة العناية الفائقة إلى غرفة عادية في المستشفى، لكن ذلك لم يحدث. تدهورت حالته الصحية نتيجة عدم وصول الأوكسجين إلى جسمه. هكذا نقل الأصدقاء عن الأطباء. ضعفت صحّته كثيراً في الفترة الأخيرة. كان يطلب من المحيطين به أحياناً أن يعاجلوه بضربة على ظهره كلما شعر بضيق في التنفس.

غازي عاد واحدٌ من قلة حملوا قضية وساروا بها. ليس لرئيس "لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين" (سوليد) قريب مفقود أو مخطوف أو مختفٍ قسرياً. مع ذلك، فقد جعل من هذه القضية محور حياته، وما زال يقدّم فيها من قلبه ومن دون حساب. اللافت، بعكس غازي، أنه نادراً ما يشارك ناشطون أو متحمّسون لهذا النوع من القضايا ليس لهم فيها أقرباء مباشرون.

يعرف أهالي المفقودين والمخطوفين الرجل الخمسيني جيداً، لا سيما الأمهات المسنّات من بينهم. لطالما دلّلنه في خيمة الاعتصام، في ساحة جبران بوسط بيروت. الخيمة التي نصبت قبل أكثر من عشر سنوات لناحية قريبة من مقرّي مجلس النواب ومجلس الوزراء، من دون أن يلتفت ساكنو هذين المقرّين إلى أهلها وناسها.

كان غازي من روّاد الخيمة. يحضر إليها مرتين في الأسبوع، كل إثنين وخميس، ويمضي النهار كاملاً فيها. وكانت الأمهات يحضّرن له ما يحبّ من الطعام، ويقدّمن له بأيديهن العصير والقهوة والماء. فهو الابن والأخ الذي يستندن عليه، هؤلاء اللواتي ما استسلمن يوماً في البحث عن أحبّتهن. وقد اختطف الموت حيوات بعضهن بعد أن أنهكتهن الحياة من دون أن يسلبهن الانتظار صبرهن.

لطيفٌ غازي عاد. دمثٌ ومهذّب وصاحب ابتسامة دافئة. مع هذا، فهو صلب في القضية صلابة هؤلاء السيدات حين يحملن أجسادهن العجوز من دون كلل، كي يطالبن السلطة ورجالها بمعرفة مصير أحبائهن. فهذا حق. لا يغيب عن اعتصام حاراً كان الطقس أم ماطراً. ولا يتراجع أمام رجال الأمن ولا يثنيه "إرهابهم" عند التدافع، حتى لو كسروا دولاب الكرسي المتحرّك الذي يتنقّل عليه، مثلما حدث قبل سنتين.

ليس مقدّراً لك يا غازي أن تنام كل هذا الوقت. قُم واصحَ من هذه الغيبوية. فالأهالي يعوّلون عليك، وعلى وداد حلواني شريكتك في النضال، ويأملون أن يضع عهد الرئيس الجديد قضية المفقودين والمخفيين قسرياً في سلّم أولويات برنامجه واهتماماته.

هيّا قُم. فما زال هناك الكثير من العمل، ومن ينتظرون استيقاظك أكثر بكثير مما تظنّ. قُم ولا تخذلهم.


دلالات

المساهمون