ما لا تعترف به النساء في العلن

ما لا تعترف به النساء في العلن

27 يناير 2016
لا يحق لأحد معاكسة آخر على الطريق (حسين بيضون)
+ الخط -
في ما مضى، كانَتْ تعدّ كمّ المعاكسات التي تسمعها في اليوم لتقييم نفسها. أجميلة هي؟ يقولون إنها كذلك. يقولون أيضاً إن "الجمال نسبي"، وكثيراً ما كانت تغضبها هذه العبارة. لم تكن تؤمن بنسبيته، إذ لا دخل للمشاعر بعملية التقييم هذه. مثلاً، هناك شبه إجماع على أن سويسرا بلدٌ جميل، وإن كان بعض الناس لا يحبونه.

اليوم، تذكرُ بعضاً من هذه التفاصيل. عالم المراهقات متعب، تقول. "علاقتنا جيدة. لكن حين نجتمع، نبدأ في مراقبة تفاصيل بعضنا بعضاً. يحدث هذا قبل أن نبدأ بقص حكاياتنا. شاب لا أعرفه لحق بي طويلاً اليوم، وقال كلمات كثيرة عن جمالي. وكان على الأخريات أن يقلن أشياء مشابهة، أقلّه لرفع معنويّاتهن أمامها".
لم تعد مراهقة اليوم. وباتت قادرة على النظر إلى هذه السنوات بطريقة مختلفة. تشير إلى أن "المعاكسات جميلة، شرط أن تبقى في حدود الأخلاق". وترى أن "الكلام الجميل" هو حاجةٌ للجميع، إلا أن النساء أكثر جرأة على الاعتراف بتلك الحاجة". تسأل: "هل يحزن شاب إن أخبرته إحداهن أنه حسن الوجه؟". برأيها، يمكننا أن نكون أكثر انفتاحاً. فالغزل قد لا يتخطى حدود التوصيف.

بمعناها الحرفي، ليس في عبارة معاكسة أي إيجابية. ولا يحق لأحد معاكسة آخر يسير على الطريق. وترفض غالبية الفتيات الأمر حين يتحدّثن عنه في العلن. لكنهن يحتفظن بـ"غبطة" ما في سرّهن.
فتاةٌ أخرى تحكي عن والدتها الأربعينية. الأمّ تُخبر ابنتها عن سائق التاكسي الذي تفاجأ حين أخبرته أنها متزوجة. تُدرك أنها ما زالت صبيّة نسبياً، لكن "ليس إلى هذه الدرجة". كان يُعاكسها إذاً. هذه المرأة الأربعينية بدت سعيدة لأن الآخرين يرونها جميلة. تعرف أنها كذلك بالنسبة لزوجها. لكن الأخير يحبّها، وينظر إليها من خلال شعوره نحوها.
هذه الأم نفسها كانت تخشى على ابنتها من المعاكسات. تطلب منها الحذر دائماً من الرجال. إذا ما أحسّت أن رجلاً ينظر إليها كثيراً، الأفضل لها أن تنسحب. معظم الأمهات يخفن على بناتهن، وخصوصاً من أولئك الذين قد لا يترددون بـ"التحرش باليد"، أو "التفوّه بكلمات ذات إيحاءات جنسية".

فتاة ثالثة ما زالت تذكر حين عاكسها رجل طاعن في السن. تقول: "تفوّه بكلمات قذرة. صار جسدي بين يديه من دون أن يلمسه. مشيت بسرعة من دون أن أجرؤ على النظر إلى الأعلى". في الأيام التالية، لم تعد تمشي بمفردها في الشارع. في ذلك الوقت، كانت في السابعة عشرة من عمرها. كان جسدها ما زال بريئاً مثلها، إلا أن الرجل خدش هذا الشيء، واقترب من ملكيتها. كانت تريد منه كلمات بسيطة للغاية: "أنت صبية جميلة".

ترى هذه الفتاة أن المشكلة في مكان آخر. تقول إن "نساءً كثيرات لا يثقن بأنفسهن إلا من خلال الرجل. وهذه تربية. بينما الرجل أقل اتكالاً على النساء في ذلك. نحتاج إلى بعضنا بعضاً لتعزيز ثقتنا أو معرفة قدراتنا، لكن الآخر قد يكون مؤذياً أحياناً". والأخطر من ذلك، برأيها، هو الاعتراف، ولو ضمنياً، بالحاجة إلى المعاكسة، وإن كان تبادل النظرات يمكن أن يكون "معاكسة" في موقف معيّن.

في هذا السياق، تقول أستاذة علم النفس العيادي وعلم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية، والمعالجة النفسية رجاء مكي، إن علم النفس "ينظر إلى العلائقيّة، أي الأبعاد التفاعلية في أي علاقة". وتوضح أن "الإنسان لا يستطيع العيش وحيداً، ويحتاج بعدما يغادر كنف عائلته، إلى إقامة علاقات جديدة، واكتشاف مقوّمات شخصيته في العالم الخارجي. وعادة ما يتجه إلى الجنس الآخر".
تضيف: "هناك حاجة لدى الفرد للحصول على اعتراف الآخر به، وأن يكون قادراً على التأثير في الآخرين. هذه الرؤية التفاعلية تؤدي إلى التوازن والثقة بالنفس"، لافتة إلى أن العلاقة مع الآخر أساسية لتكوين الذات.
وحتى أولئك الذين ينجحون في إقامة علاقة مع شريك، وخصوصاً النساء، يظللن يفكرن بتأثيرهن على الرجل لقياس مدى جاذبيتهن، وخصوصاً أن المجتمع جعل منهن سلعة للرغبة. مرة أخرى، هذا يؤمّن لهن التوازن".

وتُشير إلى أن بعض النساء، وحتى المتزوّجات منهن، يتبارين في ما بينهن للحصول على عدد أكبر من المعجبين. وتوضح أن جزءاً من الرغبة في جذب الآخرين يرتبط باللاوعي والجزء الآخر بالوعي. وهذه الرغبة بحسب المجتمع تعد خطأً، فيما تريد ذواتنا معرفة إلى أي درجة ما زلنا مؤثّرين. لكن حين يصير الإنسان في حالة شغف وتفكير دائم بإثارة إعجاب الآخرين، فقد يصنّف ضمن حالات الانحراف. وتلفت إلى أن هناك "معاكسات محبّبة تساعد على الطمأنينة، وإن كانت بعض النساء تميل إلى رفضها في العلن بسبب المجتمع".
وبالانتقال إلى التحرّش، تشير إلى أن "الاعتداء يتخطى مرحلة الرغبة إلى الفعل"، موضحة أنه "يؤدي إلى صدمة. لكن على مستوى اللاوعي، يبقى المتحرش الشخص القوي والمذهل القادر على الإتيان بشيء لم يفعله غيره".

صحيح أن الحاجة إلى الآخر ليست محصورة بمجتمع دون آخر، إلا أن التربية على الاستقلالية وحب الذات في الغرب، استناداً إلى قدرات الشخص وليس رأي الآخرين فيه، يعد عاملا مساعداً. كذلك، فإن الحب والأمان الذي يمنحه الأهل لأطفالهم يحد من الحاجة للآخرين، ويؤدي إلى نرجسية ثانوية لديهم، على حد قولها، أي يكون الفرد في حاجة للآخرين لتحسين صورة الذات، بدلاً من النرجسية الأولية، والتي يكون فيها الشخص مثل طفل صغير ما زال يبحث عن الحماية والأمان.

اقرأ أيضاً: كسر الصمت لحماية الفتيات

المساهمون