لا شبابيك في بيروت

لا شبابيك في بيروت

18 سبتمبر 2015
كأن تملأ الأجواءَ أمراض كثيرة وجديدة (الأناضول)
+ الخط -

لا شبابيك في بيوت المدينة. اختفت كما اختفت قبلها المشربيّات من بيوت الجبل. كانت لتفكر أنه في عصر سابق، قرر بعض المتخلفين التخلي عن النوافذ حرصاً على ستر النساء في بيوتهن. لكن هذه الفكرة في غير محلّها إذ إن ألواحاً من الزجاج الشفاف حلت محل النوافذ في الجدران.
تمشي على الرصيف. إنه يوم عادي جداً. قبل أن تصل إلى تلة من النفايات تعترض سيرها. تعبر الطريق وتتجه نحو الرصيف المقابل. هناك، تفكر بهذه العادة أو الطقس لدى سكان مدينة بيروت. ألّا يمرّوا بجانب كومة من النفايات، وأن يبتعدوا قدر الإمكان عنها. يقول كبار السن إن المرور بجانب النفايات فأل على المار. يقولون إن أمراضا غريبة عجيبة من الممكن أن تتربّص به حتى مماته.

على الرصيف المقابل، تفكر أنها امرأة شابة ومتعلّمة، لا تنطوي عليها معتقدات شعبية لا يُعرف لها أصل. وهي على الرصيف هذا، تنتقل إلى الرصيف المقابل، الذي كانت تمشي عليه قبل قليل، ما إن تصادف أمامها كومة أخرى من النفايات. تفكر أنه لا مهرب من معتقدات متجذّرة في نفوس أهل المدينة إلى هذا الحد. وهي واحدة من أهل هذه المدينة التي تحب.

تتذكّر حكاية جدتها. كانت تروي أنه منذ سنين بعيدة جداً، عرفت مدينة بيروت ــ العتيقة حدثاً أكبر من أن يفهمه أهلها آنذاك. اجتاحت النفايات الشوارع، وتكوّمت الأكياس في الزواريب، ولم يفهم أحد شيئاً. ولأن الناس يخافون عادة من أي ظاهرة مجهولة.. وتعلّق الجدة هنا: "الشرّ اللي بتعرفه أحلى من الخير اللي بدّك تتعرّف عليه"، تعاطوا مع الزبالة على أنها شر مطلق. أحرقوها كما كانوا يحرقون السحرة والمشعوذين في الساحات، وابتعدوا عنها كما كانوا يبتعدون عن مريض لا يعرفون لمرضه دواء. ثم أنهم راحوا يؤلفون قصصاً وروايات حول الحدث.

كأن تملأ الأجواء أمراض كثيرة وجديدة، ويتغيّر لون الهواء. ثم تقترب منها جدّتها، عند آخر الحكاية، وتهمس لها بصوت منخفض: "جدّك كان يقول إنهم ألغوا النوافذ لهذا السبب أيضاً، خشية أن تبعث النفايات بأرواح شريرة تدخل إلى بيوت الناس لتنتقم منهم". لكن هذا جزء من الحقيقة قلّما يتداوله الناس علناً.

لا تعرف حقيقة القصة التي سمعتها على لسان جدتها، والتي قد تكون أسطورة من أساطير كثيرة عن ماض بعيد. ربما تحوي شيئاً من الصحة. الكل في الشارع يبتعد عن تلّة النفايات، كما كانوا ينقرون في الماضي على الخشب للوقاية من "صيبة العين". أحد لا يفهم لماذا يقوم بذلك، وأحد لا يسأل. هي المدينة، هكذا هي. بيروت وسكّانها والنفايات، والحال من بعضه.

اقرأ أيضاً: ثلاثُ ليالٍ للحب وقدح

المساهمون