كانت لهم مدرسة.. ومخيّم

كانت لهم مدرسة.. ومخيّم

30 يونيو 2015
كسبت المدرّسة شعبيّة كبيرة بين تلاميذها (فرانس برس)
+ الخط -

في بلدة جديتا، في زحلة (شرق لبنان) نحو 95 طفلاً سوريّاً مهددين بالحرمان من حقهم في التعليم الذي كانت تؤمنه لهم مدرسة "طفل لأجل طفل"، والتي كانت قد أنشأتها النازحة السورية علا جندي عام 2014 في مخيم عرب الراشدين الموجود في المنطقة، بالتعاون مع أربعة مدرسين سوريّين، كمبادرة فردية لمحو الأمية بين الأطفال السوريين.

تغيّر كل شيء بعدما أمرت بلدية جديتا بإزالة المخيم ونقله إلى مكان آخر، بحجة أن مالك الأرض يريد استعادتها، ما اضطر جندي إلى نقل مدرستها إلى منطقة المرج التي تبعد بضعة كيلومترات عن بيوت التلاميذ السوريين الذين تشردوا، وبات أولياء أمورهم يبحثون عن مكان يأويهم، غير مكترثين لرغبة أطفالهم في السكن على مقربة من المدرسة.

في السياق، تقول جندي، لـ"العربي الجديد"، إنّ المدرسة "كانت عبارة عن خيمة مصنوعة من الخشب ومغطاة بشوادر نايلون. أما أرضيتها فمن الإسمنت، وقد بنيت على مساحة 120 متراً مربعاً، وقسمت إلى أربع قاعات. ثلاث منها عبارة عن صفوف للدراسة، وجميعها مجهّزة بلوح وعشرة مقاعد، علماً أن كل مقعد يتسع لثلاثة تلاميذ، بالإضافة إلى طاولة للأستاذ وخزانة تضم مجموعة من القصص والأدوات البسيطة اللازمة للتعليم، ومدفأة للأطفال".

تضيف جندي أن "المدرسة كانت تقع في مخيّم عشوائي للنازحين السوريين يضم نحو 50 عائلة، وقد استقبلنا جميع أطفاله. وإلى جواره، مخيم آخر يضم نحو 40 عائلة، نجحت المدرسة أيضاً في ضم أطفاله، بالإضافة إلى آخرين يقطنون وعائلاتهم في خيم عشوائية في المنطقة". كما تضيف: "كنا نعمل على نقل الأطفال إلى المدرسة مجاناً ومنها إلى منازلهم، علماً أننا نستهدف الأطفال المحرومين من التعلّم".

اقرأ أيضاً: تابوت وألوان وكلل

وتشرح جندي أنه بسبب انقطاع الأطفال عن المدرسة لبعض الوقت "عملنا على تطبيق برنامج خاص لهم خلال الأشهر الثلاثة الأولى، بدعم من جمعية أنا أقرأ. بعد مرور هذا الوقت، اعتمدنا على المنهاج اللبناني باللغة العربية، والصادر عن وزارة التربية اللبنانية. وكان الدوام يبدأ من الساعة الثامنة والنصف صباحاً ويمتد حتى الواحدة والنصف ظهراً".

وإلى النشاطات التي كان يمارسها الأطفال، تشير جندي إلى أن "الفريق كان يعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي كل يوم جمعة، ويتضمن توعية حول النظافة، على غرار غسل الأيادي للوقاية من الأمراض، وعدم هدر كمية كبيرة من المياه، وخصوصاً أنها غير متوفرة بكثرة في المخيم، بالإضافة إلى ألعاب تُعزّز الاندماج في المجتمع بطريقة إيجابية".

تضيف الجندي أننا "كنا قد أنشأنا أيضاً النادي السينمائي، بهدف عرض الأفلام للأطفال والأمهات". لدى جندي كلام كثير لتقوله عن المدرسة. توضح أننا "أطلقنا بالتعاون مع رابطة النساء السوريات، حملات توعية للنساء في المخيم والمخيمات المجاورة، تتعلّق بحقوق النساء وتمكين المرأة والصحة الإنجابية والصحة الأسرية وغيرها من المواضيع الأساسية".

وعن تمويل المدرسة، تقول جندي إن منظمة "فايوز" الألمانية كانت قد تكفّلت بتمويل المدرسة، وتأمين رواتب فريق العمل في المدرسة، علماً أن الرقم يصل إلى ثلاثة آلاف دولار شهرياً".

حملت جندي (40 عاماً)، لواء العلم منذ نحو 14 عاماً. وكانت كفاءتها سبباً في توليها منصب إدارة إحدى مدارس حماه الرسمية. لطالما عارضت التعنيف وترهيب التلميذ لحثّه على الدراسة، ما أكسبها شعبية كبيرة بين تلاميذها. وبعد اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011، شاركت في التظاهرات للمطالبة بالحرية، أسوة بكثيرين غيرها من المدرّسين والموظفين وأصحاب المهن الحرة والشباب.

وعن تلك المشاركة، تقول: "كنت مقتنعة بكل ما ناديت به خلال التظاهرات. صرخت كثيراً من أجل الحصول على مساحة للتنفس، فاعتقلت مرتين وخرجت من معتقلات النظام بأعجوبة". لم تكترث الجندي لكل ما مارسه النظام بحقها وحق زملائها وأصدقائها. لكن خوفها على أطفالها هو ما دفعها إلى اتخاذ القرار بمغادرة البلاد، لتبدأ مسيرة نضالية جديدة في لبنان.

ما زالت جندي تتنقل بين أزقة الشوارع للبحث عن عائلات مخيم عرب الراشدين. تسأل المارة وأهالي البلدة عن أسماء تلاميذها لعلّها تُوفّق في العثور على بعضهم، وإعلامهم أنها وجدت مكاناً بديلاً، علماً أنها ما زالت بحاجة إلى بعض الوقت لتجهيزه بمجرد توفر الدعم المادي الكافي. أكثر ما يحزنها هو اتخاذ بعض أولياء الأمور قرارهم بمنع أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة مجدداً، بسبب أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، غير مبالين بمصير ومستقبل هؤلاء التلاميذ الصغار، على حد قولها.

اقرأ أيضاً: نازحون سوريّون صغار.. أحلام ومخاوف