نور تصنع أثوابها

نور تصنع أثوابها

21 ديسمبر 2015
تحب الأثواب الواسعة (محمد الحجار)
+ الخط -

أرادت الفتاة الغزيّة نور حجازي، البالغة من العمر 15 عاماً، تحدّي مجتمعها المحافظ. هذه الفتاة التي أحبّت الأزياء، رفضت أن تستسلم لرغبات مجتمعها. هي في الصف العاشر، وتعيشُ في بلدة بني سهيلا (شرق مدينة خان يونس) التي تضررت بشكل كبير خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع. عاشت طوال حياتها في بيئة تعتمد على الزراعة، ولم يكن ذلك عائقاً أمامها. على العكس، أصرّت على تطوير موهبتها. حين تبدأ بتصميم الأزياء، تبدو وكأنها تنتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس أو مدينة نيويورك الأميركية.

على الرغم من أن والدها يعمل موظّفاً في إحدى الدوائر الحكومية، إلا أن عائلتها تعتمد بشكل كبير على الزراعة، وتعد إحدى أهم العائلات العاملة في هذا المجال. في هذه البيئة إذاً، عاشت حجازي. وأصرت على الالتحاق بدورات فنية في الرسم وتصميم الأزياء، وأحبّت أيضاً تعلّم الرسم بالفحم.

قبلَ ثلاث سنوات، اكتشفت حجازي موهبتها في الرسم، وتحديداً حين كانت في الثانية عشرة من عمرها. بدأت بتصوير الرسوم المتحركة اليابانية، قبل أن تنتقل إلى رسم الوجوه. بعدها، انتقلت إلى تصميم الملابس، وأدركت أنه يمكن لهذا المجال أن يزدهر في فلسطين، خصوصاً أن مجتمعها يعاني من مشاكل عدة تبعده عن مواكبة الأزياء في العالم.

تقول لـ "العربي الجديد": "أنا مهووسة بالملابس. وأتابع جميع العروض العالمية. وفي الوقت نفسه، أحب الرسم". تضيف: "قررت المتابعة في هذا المجال، وإن كان كثيرون يعتبرون هذا العمل من المحرمات في غزة". حين كانت ترسم البورتريه، لطالما تعرّضت للانتقاد من زميلاتها في المدرسة في المرحلة الإعدادية. كنّ يقلن لها إن ما تفعله "حرام"، فطلبت من مدرّسة التربية الدينية أن تسأل شيخاً. نفى أن يكون الأمر صحيحاً.

هي مجرد طفلة، وترغب في إيصال موهبتها إلى مجتمعها والعالم لاحقاً، كما يطمح أي فنان. ومع مرور الوقت، لم تعد تتأثر بتعليقات زميلاتها.

تواكبُ حجازي عالم الأزياء من غزة المحاصرة، وتحب الدمج بين التراث والحداثة. وهي تفكر في العمل على تطوير الزي الشرعي. تدرك جيداً أن عليها مجاراة طبيعة المكان الذي تعيش فيه. إلى ذلك، راحت حجازي تتواصل مع مصممين في الولايات المتحدة الأميركية. وأبدت إحدى المصممات رغبة في أن تشتري بعض أزيائها حين تنتهي من تصميمها. وها هي اليوم تعمل بكد، من دون أن يؤثر الأمر على دراستها. فهذه أولويتها أيضاً.

تحب الفتاة تصميم الفساتين الواسعة. وكثيراً ما تعمد إلى دمج الألوان، مع حرصها على تصميم أثواب تلائم مختلف الأجساد. تقول "أتطلع إلى تطوير بعض الأزياء التي تناسب جميع الأذواق، وأود التركيز على التراث الفلسطيني، خصوصاً أننا كثيراً ما نستورد الموضة من الخارج. أريد طبع التراث الفلسطيني على ملابسنا، لأنه جزء من صمودنا".

من جهة أخرى، تنشر حجازي تصاميمها على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد نالت إعجاب كثيرين، خصوصاً الفنانين ومصممي الأزياء. وترى أن المجتمع الغزي ربما يحتاج إلى مزيد من الوقت لتقبلها، علماً أنه "لم يعتد على مصمّمة أزياء طفلة".

هذه ليست موهبتها الوحيدة، فقد قرأت عدداً كبيراً من الروايات باللهجة السعودية، وبدأت في كتابة الخواطر باللهجة نفسها التي اعتبرتها غريبة عن تلك الفلسطينية وقد أحبتها. هي تطمح إلى الدراسة في واحدة من ثلاث دول، وهي الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا أو ألمانيا، قبل أن تعود إلى غزة وتطلق مشروعها الخاص في مجال الأزياء. وترغب في إفادة مجتمعها أكثر من الخارج، لأنه بحاجة إلى ذلك.

تجدر الإشارة إلى أن وسائل إعلام محلية عدة في فلسطين أطلقت عليها لقب أصغر مصممة أزياء فلسطينية. هي تبدو طموحة، ولن ترتاح قبل تحقيق جميع أحلامها.

ردّ فعل عكسيّ

على الرغم من انتقاد كثيرين، تستمرّ نور حجازي في تصاميمها. هي لا تلقى تشجيعاً إلا من قبل قلّة، لكنها تصرّ على المضيّ بتصميم الأزياء. هي اعتادت هذه الصدامات، حتى أنها وبدلاً من إحباطها، تدفعها أكثر إلى الأمام. تقول: "أنا مصرّة على التقدّم أكثر في هذا المجال، لعلّ مجتمعي يقتنع بما ينقصه. لا بدّ من أن يدرك كيفيّة تطوير الأزياء، لا سيما تلك الشرعية التي يعتمدها".

اقرأ أيضاً إسلام البربار: عودة "راديو نساء غزة"

المساهمون