البحر يبتلع عائلة صفوان

البحر يبتلع عائلة صفوان

16 أكتوبر 2015
الأقارب لم يستوعبوا بعد فجيعتهم (حسين بيضون)
+ الخط -

حسم مايز صفوان أمره أخيراً، وقرّر التوجّه إلى أوروبا، ظناً منه أنها سوف تغيّر مجرى حياته. وانطلق الأحد الماضي مع 11 فرداً من عائلته من بيروت، في اتجاه إسطنبول، ليستقلوا الباص إلى منطقة إزمير الساحلية. هناك، كانت القوارب جاهزة لتنقل المهاجرين إلى سواحل اليونان. لكن الرياح جرت بما لا يشتهي مركبهم الذي غرق في عرض البحر.

قبل نحو عامَين، ترك مايز بلدة غوغران في القصير على الحدود اللبنانية - السورية، بعد احتدام المعارك فيها وصعوبة ظروف العيش. حاول الاستقرار في بيروت بين أهله وأقاربه، إلا أن الأوضاع الاقتصادية لم تسعفه. وبعد أشهر من السكن في إحدى ضواحي بيروت، وتحديداً منطقة الأوزاعي، اتخذ قراره. وجهته التالية ألمانيا، التي سبق وعاش فيها لسنوات قليلة في شبابه. ولأن الهجرة الشرعية لم تكن في يوم خياراً متاحاً أمام العائلة، رأى في السفر بحراً الطريقة الأضمن.

العائلة في لبنان فُجعت أمس بخبر غرق المركب الذي كان ينقل عائلة مايز. ولغاية كتابة هذه السطور، ما زالت في انتظار مزيد من المعطيات، في حين اتصل بها أحد الناجين من إزمير، مشيراً إلى أنّ القارب تعرّض لإطلاق نار من جهة لم يستطع تحديدها.

من جهته، محمد، نجل مايز، الذي قرر البقاء في لبنان بغية السفر إلى أفريقيا، يصف قرار والده بالشجاع. يقول لـ "العربي الجديد": "هو تأكد من أن طرقات التنقل عبر الحدود اليونانية مفتوحة للوصول إلى ألمانيا. لم يتوقع أن تكون الرحلة البحرية محفوفة بالمخاطر".

وفي اتصال بمخفر منديريس في إزمير، علمت "العربي الجديد" أن موسى صفوان وماهر صفوان وإياد صفوان وهم من أفراد العائلة، "موجودون في المستشفى في انتظار صدور قرار ترحيلهم إلى بيروت أو الإفراج عنهم" بحسب ما أكّد شرطيّ في المخفر.

في إزمير، تكثر صفقات التهريب نحو أوروبا، ومعظمها غير موثوق به، إذ يعمد المهرّبون إلى المكر والخداع في تعاملهم مع المهاجرين. لكن الصفقة التي حصل عليها مايز بحسب ما تشير العائلة، كانت جيدة. تقاضى المهرّب ألفَي دولار أميركي عن كل شخص، في حين اقترح عليهم مهرّب آخر شراء مركب صغير لقاء 600 دولار، يعبرون بواسطته إلى اليونان من دون مشاركته مع عائلات أخرى. وهكذا كان.

اقرأ أيضاً: نفايات لبنان.. محاولة إرساء خطّة لإدارة الكوارث

ويشير مقرّبون من العائلة، لـ "العربي الجديد"، إلى أنهم علموا من خلال اتصالاتهم بالسلطات اليونانية أنّ ثلاثة أفراد من العائلة تمكّنوا من النجاة، وقد أعيدوا إلى تركيا التي احتجزت اثنَين منهم وأفرجت عن الثالث وهو طفل يبلغ من العمر 14 عاماً. كذلك، عثر على ثلاث جثث، ليبقى ستة من أفراد العائلة في عداد المفقودين.

في هذا الإطار، توضح الصحافية والناشطة، كارول معلوف، أن "الشرطة غالباً ما تطلق سراح الموقوفين السوريين بعد 48 ساعة من اعتقالهم، تاركة لهم حرية اختيار خطوتهم التالية. لكن الوضع قد يختلف مع اللبنانيين، ومن الممكن ترحيلهم إلى لبنان".

وتلفت هنا مواطنة تركية، فضلت عدم الإفصاح عن هويتها، إلى أن الدولة على علم بالنشاط غير الشرعي على الشواطئ التركية، لكنها تغض النظر عنه. تضيف أن "جنسيات المهاجرين تختلف. لم تعد محصورة بالسوريين بل تشمل أيضاً لبنانيين وعراقيين وسودانيين وغيرهم".

تجدر الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من أن إيطاليا هي واحدة من أكثر الوجهات، التي يقصدها المهاجرون عبر المتوسط، إلا أن خفر السواحل التركي جعل من انطلاق القوارب إليها أمراً صعباً، لتقتصر الخيارات أمام المهاجرين على اليونان وبلغاريا. وهكذا، تجد الشرطة اليونانية نفسها مرهقة مع أعداد هؤلاء الذين يبلغون شواطئها. يُذكر أن قوات خفر السواحل في الجزر اليونانية، تواجه في الوقت نفسه نقصاً في الموارد المالية والموظفين.

إلى ذلك، اتصلت "العربي الجديد" بخفر السواحل اليوناني، من دون الحصول على إجابات. لكن أحد العناصر ردّ قائلاً: "أنا مرهق جسدياً ونفسياً. لم أعد أحتمل نقل الأخبار غير السارة للعائلات. أعتذر". في الفترة الأخيرة، هو يضطر إلى ذلك يومياً مع ارتفاع عدد الوفيات، بسبب سوء الأحوال الجوية، الذي يسبب أمواجاً مرتفعة تبتلع القوارب. ومع القوارب، ابتلع البحر أحلام عائلات عديدة خلال الأشهر الماضية. وقبل أيام، وقعت اللاجئة الفلسطينية، ريهام المغربي، ضحية الهجرة غير الشرعية حين سافرت من لبنان إلى تركيا وغرقت في طريقها إلى اليونان.

لم يصدر، حتى كتابة هذه السطور، أي تصريح من السلطات اللبنانية حول مأساة عائلة صفوان. أما العائلة، فتأمل بنجاة هؤلاء الذين صُنّفوا "مفقودين".

اقرأ أيضاً: شكراً "سعادة السماء"