إضراب عمال النظّافة يفاقم أزمة جربة التونسيّة

إضراب عمال النظّافة يفاقم أزمة جربة التونسيّة

15 يوليو 2014
يطالب السكان برفع النفايات المكدّسة عشوائياً (فرانس برس/Getty)
+ الخط -

ينفّذ أهالي مدينة قلالة من محافظة مدنين جنوبي تونس، إضراباً عاماً في كل القطاعات، اليوم الثلاثاء، في 15 يوليو/ تموز الجاري، احتجاجاً على تردّي الوضع البيئي في المنطقة. ويطالبون برفع النفايات المكدّسة في الجزيرة بشكل عشوائي، رافضين في المقابل إعادة فتح مكبّ النفاتات الذي شكّل مشكلة كبرى بين الأهالي والحكومة منذ عام 2011.

وعلى الرغم من حملات النظافة التي أطلِقت قبل أشهر في تونس لمعالجة الأوضاع البيئيّة في مجال النظافة ورفع النفايات، إلا أنّ معظم الأحياء والمناطق السكنيّة الكبيرة في منطقة قلالة ما زالت تجتاحها الأوساخ مع تراكم النفايات اليومي فيها، بالإضافة إلى انتشار الحشرات والروائح الكريهة.

ويومياً، تلقى أطنان من النفايات في أغلب الشوارع وعلى جوانب الطرقات، من عشرات المقاهي والمطاعم التي تنتشر في أرجاء المدينة، ناهيك عن نفايات المنازل والمحلات التجاريّة. فباتت المنطقة تشكو وضعاً بيئياً كارثياً، لا سيّما وأنّ أزمة تراكم النفايات تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة.

ولا تعود أسباب انتشار النفايات في قلالة إلى إضراب عمال النظافة، بل إلى إغلاق الأهالي مكبّ النفايات في الجهة منذ عام 2011. ويقع المكب في منطقة قلالة في الجنوب الغربي لجزيرة جربة من محافظة مدنين جنوبي تونس. ويعدّ هذا المكبّ التابع للوكالة الوطنيّة للتصرّف في النفايات، أكبر مجمّع من هذا النوع في الجهة. وأنشئ في الثلاثين من أبريل/نيسان 2007 بكلفة إجماليّة قدرها ستّة ملايين دينار تونسي (4.5 مليون دولار أميركي)، ويمتدّ على مساحة تناهز 29 هكتاراً. إلى ذلك، تعدّ منطقة قلالة التي تقطنها 13 ألف نسمة، من أبرز المواقع السياحيّة في تونس، وهي تشتهر بالصناعات التقليديّة، لا سيّما الخزف ومنتجات الطين.

ويرفض المواطنون إعادة فتح هذا المكبّ أو السماح لعمال البلديّة برمي النفايات فيه مجدداً، نظراً لقربه من المناطق السكنيّة وانبعاث روائح كريهة منه، بالإضافة إلى تسّببه في أمراض صدريّة وجلديّة عدّة أصابت عدداً من السكان لا سيّما الأطفال منهم.

وقد أعلنت عمادة الأطباء في القطاع الخاص في جربة دعمها الكامل أهالي المنطقة، داعية الحكومة إلى إيجاد حلّ بديل من فتح المكبّ الذي يتسبّب في مخاطر صحيّة وبيئيّة.

ويقول الدكتور رياض باروني لـ"العربي الجديد" إن الأطباء "متعاطفون مع الأهالي كثيراً، وهم كذلك يرفضون بدورهم إعادة فتح هذا المكب نظراً لقربه من الأحياء السكنيّة ولما يشكله من مخاطر على أهالي المنطقة والأمراض التي يتسبّب فيها، لا سيّما الأمراض الجلدية والالتهابات التي تسببها لسعات الحشرات". ويشير إلى أنه يعاين يومياً حالات أطفال أصيبوا بالتهابات جلديّة من جراء الحشرات والناموس.

ويقول عبد الكريم رشيد، أحد سكان المنطقة لـ"العربي الجديد" إن الأهالي سئموا وعود الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بإيجاد حلّ للمشكلة، مؤكداً تمسّك الأهالي بحقهم في بيئة نظيفة وهواء نقي.

كذلك يشير إلى اختناق الأهالي من الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات في المكب، لا سيّما مع ارتفاع درجات الحرارة وتأثير ذلك على صورة المنطقة المعروفة بوجهتها السياحيّة.

الدولة تقرّر فتح المكبّ

ونتيجة لإغلاق المواطنين كل الطرقات من وإلى المكبّ بهدف منع عمال البلديّة من رمي الفضلات منذ عام 2011 في انتظار إيجاد حلّ بديل، انتشرت المكبات العشوائيّة المخالفة للقوانين والشروط البيئيّة والصحيّة في الطرقات والأراضي الزراعيّة. في المقابل، عجزت الحكومة عن إيجاد حل لكيفيّة التخلص من النفايات.

وعلى خلفيّة تدهور الوضع البيئي في المنطقة، أعلن وزير التجهيز والتهيئة الترابيّة والتنمية المستدامة، الهادي العربي، في الخامس من يوليو/تموز 2014، أنّ رئيس الحكومة، مهدي جمعة، أذن بفتح مكبّ قلالة لتفادي الإشكال البيئي المتعلق بتراكم النفايات في جزيرة جربة، بخاصة في منطقة حومة السوق.

ويقول المتحدّث الإعلامي في وزارة الداخليّة لـ"العربي الجديد" إنّه تقرّرت ملاحقة من يثبت ضلوعه في منع مصالح بلديّة جربة من إلقاء النفايات في المكب، واعتدائه على عمال البلديّة وحجز معداتهم. ويشير إلى أنّه سيتمّ التنسيق مع وزارة التجهيز والبيئة لفتح المكبات المراقبة كافة، بما في ذلك مكبّ قلالة في جربة، مع وضع كل الإمكانيات الماليّة واللوجستيّة لحسن التصرّف بالنفايات في الجزيرة. كذلك سيتمّ تكثيف الاتصالات بأهالي قلالة لإطلاعهم على الضمانات والتحسينات الفنيّة لاستغلال المكبّ المراقب في منطقتهم.

من جهتها، اتخذت كتابة الدّولة للتنمية المستدامة وأطراف أخرى معنيّة بالمسألة البيئيّة، مجموعة من القرارات تتمثل أساساً في استئناف استغلال المكبّ المراقب في قلالة، وفي الالتزام بتوجيه جزء من نفايات الجزيرة إلى المكبّ المراقب في منطقة أخرى في بوحامد لتخفيف الضغط على مكبّ قلالة، بالإضافة إلى التوقف نهائياً عن توجيه النفايات إلى المواقع العشوائيّة والاقتصار كلياً على المكبَّين المراقبَين في قلالة وبوحامد واستصلاح المواقع العشوائيّة.

تجدّد احتجاج الأهالي

وقد حاولت الجهات الرسميّة إقناع مختلف هيئات المجتمع المدني في الجزيرة وكذلك سكانها بجملة هذه القرارات وبأن الحلّ الأمثل لتجاوز الأزمة البيئيّة التي كانت لها تأثيرات بيئيّة وصحيّة سلبيّة هو فتح المصب. لكن كل المحاولات قوبلت بالرفض.

وعلى الرغم من تلك القرارات والتعهّد بإيجاد حلّ للمسألة، إلا أنّ الأهالي ملوا الوعود وظلوا مصرّين على إغلاق المكبّ والضغط على الحكومة لإيجاد حلّ بديل. وهو ما أدّى إلى تجدّد احتجاج عدد من الأهالي يوم الجمعة الماضي في 11 يوليو/تموز الجاري على تدخّل القوّة العامة لفتح المكبّ، ونشوب اشتباكات مع رجال الأمن. كذلك قام عدد من المواطنين بحرق جزء كبير من مكبّ النفايات في محاولة لصدّ قوات الأمن التونسي من فتحه بالقوّة. وقد رفع هؤلاء شعارات تندّد بالتلوّث البيئي وتطالب بحقّهم في حياة سليمة وحقّ أبنائهم في هواء نقي وبردّ الاعتبار إلى منطقة تمّ تهميشها سنوات طويلة.

وقد دعمت هيئات المجتمع المدني مطلب الأهالي، فشاركت جمعيات عدّة منها "جمعيّة جربة الذاكرة" و"جمعية صيانة جزيرة جربة" و"جمعية جربة للتأهيل والتنمية" في الاحتجاجات المطالبة بإغلاق المصب. ويوضح الناشط المدني وعضو خليّة مراقبة الأزمة التي تم تأسيسها في المنطقة، أحمد رحومة، لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة لم تتفاعل بجديّة مع مطالب الأهالي الذين تضرّروا نتيجة ذلك المكبّ. كذلك، يندّد باستخدام الحكومة القوة لفرض قراراتها.

على صعيد آخر، استغرب رحومة تناقض موقف الحكومة التي طلبت من بعض ممثلي الجهة التفاوض مع الرئيس، المنصف المرزوقي، لإيجاد حل للمشكلة، وفي المقابل أرسلت في اليوم نفسه عشرات السيارات الأمنيّة لقمع المحتجين وتنفيذ قرار فتح المكبّ بالقوة.

من جهته، يؤكّد الدكتور محمد الرابحي المتخصّص في حفظ صحة الوسط وحماية المحيط في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ تونس تمرّ بوضع بيئي متدهور للغاية من جرّاء إضراب عمال النظافة مرات عدّة. ويشير إلى أنّ أطنان النفايات باتت تتسبّب في اختناق التونسيّين بالروائح الكريهة وتفاقم مشكلة الحشرات من جرّاء انتشار المكبّات العشوائيّة. كذلك تتسبّب النفايات وفق محدثنا في ارتفاع حالات الإصابة بداء الكلب، وعودة أمراض كان قد تمّ القضاء عليها، بالإضافة إلى تأثر المواد الغذائيّة المعروضة على مقربة من هذه النفايات بالجراثيم والحشرات.

ويوضح الرابحي أنّ لجوء البعض إلى حرق تلك النفايات تتسبّب في إفراز مواد سامة قد تؤدّي إلى مشاكل في القلب والجهاز التنفسي، لا سيّما وأنّ النفايات التونسيّة مكوّنة في أغلبها من مواد عضويّة ونسبة كبيرة من المواد البلاستيكيّة.

استقالة النيابة الخصوصيّة

ويبدو أنّ الأمور ما زالت ذاهبة نحو التصعيد أكثر، وقد أعلن رئيس النيابة الخصوصية لبلدية جربة حومة السوق سامي بن طاهر يوم الخميس في العاشر من يوليو/تموز الجاري عن استقالة جماعيّة للنيابة بسبب تفاقم الوضع البيئي في المدينة وعدم وجود بوادر للخروج من هذه الوضعيّة. ويشير بن طاهر إلى أن ما سعت البلديّة إليه لتجاوز الإشكاليات البيئيّة منذ أن تمّ إغلاق المكبّ المراقب في منطقة قلالة من معتمدية جربة أجيم، وذلك من خلال تقديم حلول بديلة تتمثّل أساساً في اقتراح مشروع إعادة تدوير النفايات والذي من شأنه أن يحلّ جزءاً من المشكلة البيئيّة في الجزيرة.

ويضيف أنّ هذا المشروع الذي تمّ اقتراحه قد تحصّل على جميع التراخيص الضروريّة لإنجازه في منطقة مليته في مدينة جربة حومة السوق. وكان من المفترض أن يدخل حيّز التنفيذ في بداية شهر يونيو/حزيران 2014، إلا أن الدولة تردّدت في دعم هذا المشروع.