يوغا غزة بحثاً عن طاقة إيجابية للإستمرار

يوغا غزة بحثاً عن طاقة إيجابية للإستمرار

25 ديسمبر 2014
اليوغا تساعد الأشخاص على استعادة توازنهم النفسي(إيمان عبد الكريم)
+ الخط -
تأخذ سحر الهشيم (48 عاماً) نفساً عميقاً وترخي عضلات جسدها. هكذا تستعدّ لممارسة اليوغا. تعرف أن عليها أن تنسى كل شيء. تحاول جاهدة الالتزام بتعليمات المدربة. خلال أداء الحركات، يتحسّن مزاجها كثيراً. بدأت بممارسة تمارين اليوغا ضمن برنامج مهارات علاج الجسد والروح والعقل، الذي أطلقه مركز صحة المرأة التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

باتت اليوغا حاجة ملحة في قطاع غزة، بخاصة بعد معاناة استمرت 51 يوماً، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. عاش الغزاويون أياماً صعبة. دُمّرت بيوتهم وقتلوا وهجروا. وللخوف حكاية أخرى. يكفي أنهم كانوا ينتظرون الموت في أية لحظة.

منزل سحر دُمّر بالكامل. بقي منه غرفة واحدة. النزوح والتشرد واضطرارها للجوء إلى مدارس الإيواء، جميعها أثرت على مزاجها. صارت عصبية. انعكس الأمر على علاقاتها بأبنائها وأقاربها. فقدت القدرة على الحوار أو الإصغاء. عانت كثيراً من المشاكل والأزمات. تقول لـ "العربي الجديد": "صرت عصبية. أصرخ في وجه أطفالي طوال اليوم من دون سبب. شعرت أنني أنهار، وأصاب بنوبات غضب سريعة ومفاجئة".

سحر واحدة من آلاف النساء اللواتي تأثرن كثيراً بسبب العدوان. اليوم، تجد في رياضة اليوغا حلاً مثالياً للتعافي من أزماتها النفسية، علماً بأن هذا النوع من الرياضات يعتبر محظوراً في غزة، نظراً للعادات التي تحكم المجتمع. تقول إن "هذه الرياضة تمدني بالطاقة الإيجابية، وتساعدني على السيطرة على المشاعر السلبية، التي أعاني منها يومياً".

جميلة أيضاً تُمارس اليوغا. تمدّ ذراعيها إلى الأمام وتشبك أصابعها. تغمض عينيها وتأخذ نفساً عميقاً لأكثر من خمس دقائق. تكرر التمارين لتشعر بعدها أن الضغوط النفسية التي تعاني منها تتلاشى. بدلاً منها، تشعر بطاقة إيجابية. تقول: "أشعر كأنني ولدت من جديد. كنت عصبية جداً ودائما أتخيل الصاروخ يضرب منزلنا. لا يفارقني مشهد إخراج ابنتي من تحت أنقاض بيتنا. كنت أعاني من الاكتئاب. لكن مع بدء تمارين اليوغا، بدأت أنسى الألم والظروف الصعبة التي مررت بها، حتى أن زوجي لاحظ مدى تحسني".

تتابع جميلة: "ربما جميع سكان قطاع غزة يعانون من ضغوط نفسية. ما رأيناه خلال العدوان كان قاسياً بل مرعباً. لذلك، نحن بحاجة إلى مثل هذه التمارين". تشير إلى أنها، اليوم، باتت تتحدث بهدوء، ولا تفارقها الابتسامة. تضيف لـ "العربي الجديد": "بت قادرة على أن أحافظ على هدوئي والسيطرة على غضبي".

في الماضي، لم تكن رياضة اليوغا منتشرة في قطاع غزة، باستثناء بعض المراكز المتخصصة. قلة فقط كانوا يلجؤون إلى ممارسة هذه الرياضة. في السياق نفسه، تقول مديرة مركز صحة المرأة في جمعية الهلال الأحمر، مريم شقورة، أن هذه الرياضة بدأت تنتشر بين الفلسطينيين، بخاصة أولئك الذين يعانون من آثار نفسية صعبة. تضيف أن المركز "أقام بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة نحو 25 دورة للعلاج النفسي، من بينها التدريب على رياضة اليوغا".

وعن مناطق عمل المركز والفئات المستهدفة من جلسات العلاج هذه، تؤكد شقورة "إننا نعمل بشكل خاص في المناطق والأحياء التي طالها الدمار أكثر من غيرها خلال العدوان الأخير على القطاع. ركزنا على مساعدة النساء في مراكز الإيواء. فالأزمات الكثيرة التي شهدتها غزة وأهلها تستدعي تقديم خدمات تدمج بين نشاطات التفريغ النفسي، ومساعدتهن على التخلص من مشاكلهن، وزيادة قدرتهن على التعامل مع أجسادهن من خلال تمارين الاسترخاء".

من جهتها، تؤكّد مدربة اليوغا، مها الشامي (42 عاماً)، أن النساء في غزة "يشعرن بضغط نفسي كبير وخوف"، لافتة إلى أن "تمارين اليوغا تساعدهن على تفريغ كمية الضغوط هذه والاسترخاء". تضيف أننا "نبدأ الجلسة ونختمها بتمارين الاسترخاء"، مشيرة إلى أن "التأمل يساعد النساء كثيراً. وأثناء الصلاة، لا تختلف الحركات عن تلك الخاصة باليوغا، مما يشعرهن بالراحة".

تتحدث الشامي عن التمارين خلال برنامج اليوغا. تقول إنها ليست صعبة بطبيعة الحال، لكنها تختلف عن الرياضة العادية. تضيف أن "اليوغا تتطلب تركيزاً، وتساعد الأشخاص على استعادة توازنهم النفسي"، لافتة إلى أننا "نستخدم اليوغا في المركز كنوع من العلاج لمساعدة النساء على التخلص من الضغوط والتوتر. هكذا يكنّ قادرات على الاستمرار في الحياة، بخاصة أن المعاناة لم تنته".

تجدر الإشارة إلى أن الشامي تركز على أمرين خلال العلاج باليوغا. الأول فكري، من خلال تعزيز الإيمان، وهذا يستدعي النقاش والتحليل والنقد والتفكير من دون قيود، والثاني تمارين بدنية تساعد على التحكم بعملية التنفس. ترى أن اليوغا تعتمد على "الاتحاد بين الروح والجسد، من خلال تمارين خفيفة تساعد على التركيز وصفاء الذهن". تشير إلى أنه "بالإضافة إلى اليوغا، يعمل المركز على تقديم الدعم النفسي، من خلال نشاطات مختلفة".

كذلك، تشير شقورة إلى أن "أبرز المعوقات التي تواجه عملهم تتمثل في الشعور بالحرج، فالمجتمع بطبيعته لا يثق بالعلاج النفسي، علماً بأن الأثر النفسي الذي خلفه العدوان الإسرائيلي كان أكبر من جميع التابوهات الذي يفرضها المجتمع. لذلك، النساء اللواتي اخترن العلاج أردن أن يصرخن ويفرغن أوجاعهن، وكن يبحثن عن علاجات أو أدوية". تقول: "إننا نراعي خصوصية النساء في قطاع غزة، وعادة لا نفرض أية شروط أو نحدد الزي الذي يجب أن ترتديه النساء خلال ممارسة الرياضة، علماً بأن مركز صحة المرأة نجح في إدخال اليوغا للمرة الأولى على مستوى المؤسسات الأهلية والرسمية في غزة".

تقول شقورة لـ "العربي الجديد" إن "المركز استعان بخبراء عالميين من إيطاليا والولايات المتحدة. عمد الخبير الأميركي، نيد ريوش، إلى إقامة جلسات للعلاج باليوغا، وتدريب وتخريج مشرفات لتعليم هذه الرياضة". شقورة المليئة بالأمل والإصرار على إنجاح مشروعها، تؤكد أنها واثقة من أن المجتمع سيتقبل هذه الرياضة، لافتة إلى أنها ستسعى إلى تخصيص مركز كامل لهذه الرياضة، التي من شأنها أن تمد الإنسان بالطاقة الإيجابية.

دلالات