دموع الرجال

دموع الرجال

15 نوفمبر 2014
يحرم نفسه من البكاء، التزاماً منه بتقاليد مجتمعه(فرانس برس)
+ الخط -

لا تهوى البكاء. لا يمكن أن يكون هواية أصلاً. من دون أن تدري، تتدفّق نحو عينيها كميات من المياه تجهل مصدرها، وتصير دموعاً تنزلُ ببطء على خديها، ثم على رقبتها، إن لم تمرغها على وجهها. لا تفهم هذه التلقائية. والأغرب أنها قادرة على تقدير كمية الدموع في داخلها، والوقت الذي تحتاجه لإفراغها كلها، فترتاح.

وبالرغم من كونها فتاة يجوزُ لها البكاء من الناحية الاجتماعية، تذكر كمّ العبارات المصاحبة لعملية بكائها، وخصوصاً إذا حصل ذلك في العلن. وحتى الذين لا ينطقون، لا يرون في بكائها إلا ضعفاً يُضاف إليه كونها امرأة. وإحساسها المُفرط يتحوّل من كونه ميزة إلى التعامل معها وكأنها عرضة للانكسار في أية لحظة. هي ضعيفة ومستسلمة ومنهزمة. إلا أنها كانت تؤمن أن بكاءها هو بمثابة لغة إضافية يعجز كثيرون عن إتقانها، بخاصة الرجال. علماً أنها اللغة الوحيدة التي لا نتعلّمها.

وهناك سعي دائم من قبل المحيطين إلى إلغاء هذه اللغة الموسيقية، المصحوبة بتنهيدات تعلو وتنخفض، بحسب الحالة النفسية. كأنهم يخشون أن تُعلن هذه القطرات ما لا يريدون البوح به، ما يدفنونه بين أعضائهم الحيوية في أجسادهم، حتى يضيعوها أحياناً، من دون أن تضيعهم، ولو بعد حين. هؤلاء يخشون هذه اللغة.

بحسب جمعية علم النفس الأميركية، قد يمنع هرمون التيستوستيرون البكاء لدى الرجال، بعكس هرمون البرولاكتين لدى النساء. في المقابل، يقول المتخصص في علم النفس والباحث وليام فراي، إن الصبيان والبنات يذرفون الكمية نفسها من الدموع حتى عمر 12 عاماً. وفي عمر الـ 18 عاماً، تبكي النساء أكثر بأربع مرات من الرجال، بمعدل نحو 5.3 مرة في الشهر في مقابل 1.4 مرة في الشهر للرجل.

وتوضح الكاتبة أودري نيلسون أن لدى الرجال وعيا عاطفيا على غرار النساء. إلا أنهم يعبرون عن عواطفهم بطريقة مختلفة، وليس لديهم خارطة طريق لكيفية الجمع بين "الذكر القوي" والعاطفة.

كأن الرجل يحرم نفسه، التزاماً منه بتقاليد مجتمعه، وعدم وضوح مفهومي القوة والضعف لديه، من البكاء، وخصوصاً إن أراد ذلك. لأنه رجل، يكبت لغته العاطفية هذه. ولأنه قوي، لن يبكي، ليس مخافة التشبه بالنساء، بل مخافة التشبه بالضعفاء. تقول الروائية الأميركية إليزابيت جلبرت: "لا تعتذر حين تبكي. من دون هذا الإحساس، سنكون مجرد روبوت". أما الأديب الفرنسي فيكتور هوغو، فيقول إن "هؤلاء الذين لا يبكون، لا يرون".

في مجتمعاتنا، ليس البكاء محبذاً لدى الجنسين، لأنه تعبير عن ضعف وليس بوحا، وإن كانت تجد أعذاراً للنساء. لم يعترف الشرق بالبكاء كلغة بعد، وهذا جزء من عذابه.

دلالات

المساهمون