درّاجتي الدستوريّة

درّاجتي الدستوريّة

07 أكتوبر 2014
أدرك أنّها معرّضة للسرقة، لكنني لا أردّ "قدراً"(العربي الجديد)
+ الخط -
أمطار تشرين غسلت دراجتي النارية. وخلعت ثوب الغبار السنويّ عنها. هي الدراجة التي لا أصرف قرشاً عليها.. إلاّ عند الضرورة.
الضرورة الروتينية تعني البنزين مرتين أسبوعياً، والزيت مرة كلّ شهرين. أمّا حالات الطوارئ فلا مهرب منها. حرارة من هنا تحتاج ماء في "الروزفوار"، أو تسرب بنزين يتطلب تنظيف "كربرتير"، أو حتى ثقب في الإطار يستدعي زيارة محتّمة إلى "البنشرجي".
دراجتي، ليس عليها أيّ شعار سياسي أو مذهبي. ربما مرّ عليها مثل ذلك من قبل، لكنني منذ أن حظيت بها، لا أعرف سوى سوادها لوناً وحيداً لا يخرقه لون. ولو أنّ البعض يحاول أن يضع عليها بصمته، فأدركه قبل التمادي.
شخصياً، أرغب أحياناً في تزيينها. لكنني أرجئ دوماً كلّ ما ليس ضرورياً، إلى حملة الإصلاح الشامل، التي أعدّ لها منذ زمن.
دراجتي الجميلة، عمرها 18 عاماً، وهو ما يعادل 90 عاماً، ربّما، في عمر بلد مثل لبنان. سرعتها متوسطة 140، وكذلك قدرة محركها 250. وصحيح أنّها يابانية، لكنّها تقولبت كما يجب مع شوارع هذه البلاد، وأزقتها، وطلعاتها، ونزلاتها، وحفرها. وعرفت المناطق المباحة، وتلك المحرّم عليها دخولها، ورضيت على مضض.
لا أضع لها قفلاً. وأركنها كيفما تهيّأ، تحت المنزل، وأمام مبنى الجريدة، وأينما ذهبت. وأدرك أنّها معرّضة للسرقة في أيّ لحظة، لكنني أترك الأمور على طبيعتها، ولا أردّ "قدراً".
ما بقي من واجهاتها مهشّم. فالحادث الأخير قبل ستة أشهر، أصابها كما أصابني. ولا يخلو الأمر من حوادث صغيرة أخرى، وجروح يتسلى مراهقو الحيّ في رسمها على جسدها البلاستيكي، بمفاتيحهم وسكاكينهم.
كذلك حال الخوذة الواقية. لولاها لما كتبت هذه الكلمات، اليوم. لكنّها أيضاً من عمر امتلاكي الدراجة. انقطع شريطها في الحادث، فاستبدلته بآخر، وعدت أعتمرها.
في المرة الأخيرة رصدت مبلغاً يعادل نصف سعرها، لحملة الإصلاح الشامل. لكنّ صاحب المعرض أخبرني أنّ القطع الصينية فقط هي ما يتوافر لديه. وعلى وعده بالياباني الأغلى ثمناً، والأكثر جودة، انتظرت. أما الخوذة فقد عرض عليّ واحدة تشبه خوذات سائقي السباق، فلم أستسغ ضخامتها، ولم أتحمل ثقلها.
المهمّ، تبخّر المال في مشاريع عاجلة أخرى، وبقيت الدراجة كما هي، ومعها الخوذة.
لم يبق أحد من الأقارب والأصحاب إلاّ ونصحني بالتخلي عنها. حتى أصحاب الورش يسخرون منها ويبدون استغرابهم: "هل هنالك من يقتني ماجستي!؟". لكنّني أعلم كلّ فضائلها، وكذلك مثالبها. وأحبها، ولا أريد التخلي عنها.
ومع ذلك، لا بدّ من موسم إصلاح شامل، ما زال يقترب.

المساهمون