أطفال السودان.. غيابُ الدعم يفتك بهم قبل السرطان

أطفال السودان.. غيابُ الدعم يفتك بهم قبل السرطان

10 نوفمبر 2014
يُكافح الأطفال السرطان بالابتسام (علوية مختار)
+ الخط -
يسلبهم مرض السرطان طفولتهم. يقضون سنوات حياتهم بين مستشفيات العاصمة السودانية، الخرطوم. بعض الأسر تضطر إلى بيع كل ما تملك لتغطية تكاليف العلاج، في ظل غياب الدعم الحكومي الكامل لهؤلاء المرضى، باستثناء توفير جرعات من العلاج الكيميائي مجاناً.

كل شيء مكلف. الفحوصات، الأدوية، وغيرها. ويصل سعر الدواء إلى ثمانية آلاف جنيه، في حين يحتاج مريض السرطان إلى نحو 52 زجاجة في العام الواحد. وضعٌ يدفع مرضى السرطان وذويهم إلى الاحتجاج من وقت لآخر. ويوجد في السودان مركزان فقط لعلاج مرضى السرطان.

أحدهما في العاصمة والآخر في ولاية الجزيرة التي تبعد 185 كيلومتراً عن الخرطوم. ويقول استشاري جراحة الأورام في المركز القومي للأورام والعلاج بالأشعة في الخرطوم، كمال حمد، إنه "يتم تشخيص من 11 إلى 12 ألف حالة إصابة بالسرطان جديدة سنوياً".

آلام لا تنتهي
داخل منزل في الخرطوم استأجرته منظمة "بسمات لرعاية أطفال السرطان" في محاولة لحلّ أزمة السكن لعدد من الأسر الوافدة بأطفالها المرضى، تجمّع الأطفال الذين بدا على بعضهم الإعياء
الشديد. وعادة ما ينتصرون عليه بابتساماتهم واللعب مع بعضهم البعض. وجدت العائلات في هذا المنزل ملاذها، بخاصة أن 70 في المئة من المرضى يأتون من خارج العاصمة.

يعاني أمين إبراهيم محمود (من سكان إقليم دارفور)، البالغ من العمر تسع سنوات، من سرطان النخاع. لجأ والده إلى هذا المنزل بعدما أنفق كل ما يملك لتأمين العلاج له، حتى بيته باعه. ينتظر اليوم "فاعلي الخير لمساعدته في تأمين العلاج".

يروي قصة ابنه مع السرطان، يقول إنه أنفق حتى الآن 28 ألف جنيه، وذلك منذ وصوله إلى الخرطوم قبل ثمانية أشهر. خلال هذه الفترة، كان يتنقل بين الأطباء لتشخيص حالة ابنه الصحية من دون فائدة.
بعدها قرر السفر إلى القاهرة. هناك، تحسنت صحته لكنه أنفق أكثر من عشرة آلاف دولار. عاد إلى الخرطوم، لتسوء حالة ابنه من جديد. وبعد فحص النخاع الشوكي، اكتشف الأطباء أنه يعاني السرطان.
يؤكد أنه "ذاق الأمرّين لتأمين العلاج لطفله، بخاصة أن الدولة لا تقدم أي دعم". يضيف أنه "ترك زوجته وثلاثة أطفال في دارفور"، وهو مضطر للبقاء في هذا المنزل لأنه "لا يملك المال".
ولا تختلف مأساة أبو طالب عثمان عن محمود. هو والد لطفل عمره ثلاث سنوات، ومصاب بسرطان الكلى. قدم أيضاً من إقليم دارفور إلى الخرطوم، وبالكاد استطاع تأمين مصاريف السفر. يقول إنه "فوجئ بتكاليف العلاج". ولأن ليس لديه أقارب في الخرطوم، اضطر في البداية إلى السكن مع مجموعة من أبناء الإقليم في أطراف العاصمة، لكنه لم يتمكن من تأمين بدل المواصلات من وإلى المستشفى، وهو أمر دفعه إلى "تفويت بعض الجرعات على ابنه". يضيف: "ينام ابني أحياناً من دون عشاء".

"فيسبوك"
ولدت منظمة "بسمات لرعاية أطفال السرطان" من خلال "الفيسبوك". كتب مدير المنظمة، نزار عباس، قصة صديق له يعاني طفله من اللوكيميا ويحتاج إلى مساعدة عاجلة، على صفحته. كان لافتاً تفاعل الكثيرين من "فاعلي الخير". وعبر صفحتها، تعمد المنظمة إلى كتابة قصص الكثيرين غير القادرين على تأمين العلاج والفحوصات وتذاكر السفر وغيرها، وإلى المساعدة من خلال مساهمات فردية.

ويقول عباس، لـ"العربي الجديد"، إن "آخر إحصائية أجريت عام 2012 تشير إلى أن عدد الأطفال الذين يخضعون للعلاج في المركز الوحيد في الخرطوم وصل إلى 4213 حالة"،
مضيفاً أنه "يتم استقبالهم أسبوعياً في المنزل الذي خصصوه لهؤلاء الأطفال". ويوضح: "صحيح أن المنزل كان مخصصاً في الأساس لتهيئة الأطفال للجرعات، ومساعدتهم في توفير العلاجات والفحوصات، إلا أنه ونتيجة لظروف العائلات المادية، التي تمنعهم من العودة إلى مناطقهم، يضطر البعض إلى البقاء"، لافتاً إلى أن هناك 12 حالة مقيمة بشكل دائم الآن".

ويشير عباس إلى "بعض التحديات التي تواجههم، على غرار إغلاق مستشفى السرطان بعد الساعة الرابعة مساءً". يضيف: "في هذا المكان، تكثر الوفيات بين الأطفال، بسبب المضاعفات التي تعقب جرعات الكيميائي، بعدما نضطر لأخذهم إلى مستشفيات أخرى غير متخصصة".

تحديات
يقول حمد إن "السرطان في السودان يعد ثالث سبب للوفاة، ويوجد في البلاد مركزان فقط للعلاج". لكنه أشار إلى أنه "يتم بناء مركزين آخرين. انتهى تشييد الأول، لكن عدم توفر الأجهزة والمعدات يُعطّل افتتاحه حتى الآن، بسبب الكلفة العالية التي تصل إلى ستة ملايين دولار".

يضيف أن "سرطان الثدي هو الأكثر انتشاراً بين النساء بنسبة وصلت إلى 34 في المئة، يليه سرطان عنق الرحم بنحو 16 في المئة، فيما يعاني الرجال من انتشار سرطان البروستات والرأس والعنق والفم". ويؤكد أن "7 في المئة من الإصابات هم لأطفال دون الـ16 عاماً، وتنتشر بينهم سرطانات الدم والكلى والغدد اللمفاوية، إلخ".

ويلفت حمد إلى أن "المشكلة الأكبر التي تواجههم تتمثّل في تأخّر قدوم المرضى إلى المستشفيات، أي بعد انتشار المرض في أجسادهم". ويعزو الأمر إلى "الجهل والفقر، وخصوصاً أن مراكز العلاج بعيدة عن الكثيرين، إضافة إلى تمركز الكوادر الطبية في المدن الكبرى، ولجوء معظم السودانيين للتداوي بالأعشاب". ويشير إلى أن "التحديات التي تواجهنا في المركز القومي كثيرة، إذ لا يتجاوز عدد الأجهزة الـ16، موضحاً أن هناك ضغطاً كبيراً عليها، عدا عن الأعطال التي تؤدي إلى إيقاف العمل بها نهائياً". يضيف: "يستقبل المركز مئة حالة إصابة جديدة بالسرطان".

لا تنتهي المشاكل هنا. ويشير حمد إلى "غياب المكمّلات الغذائية للأطفال داخل المركز، والتي يجب أن يحصلوا عليها بعد الجرعات الكيميائية مباشرة، بسبب عدم تخصيص ميزانية لها"، ويقول إن "الحكومة تقدم فقط الجرعات الكيميائية مجاناً للمرضى. أما العلاجات الأخرى، فيوفرها المريض، علماً أن أسعارها مرتفعة جداً، والمواطن لا يستطيع أن يتحمّلها".

المساهمون