مناطق بلا مياه في تونس الخضراء

مناطق بلا مياه في تونس الخضراء

19 مايو 2021
اعتادتا توفير المياه لعائلاتهما (العربي الجديد)
+ الخط -

 

تفتقر مناطق ريفية وحدودية عدّة في تونس إلى المياه الصالحة للشرب، ما يدفع نساء كثيرات إلى تعبئتها من الآبار، بعد رحلات يقطعنَ في خلالها مسافات طويلة. وعلى الرغم من الاحتجاجات المستمرة ووعود السلطات، فإنّ المعاناة مستمرة في البلاد.

تضطر الستينية فرهودة السعيداني، التي تتحدر من منطقة سجنان في ولاية بنزرت شماليّ تونس، إلى قطع كيلومترات عدة بين الجبال للوصول إلى المياه، مستعينة بحمارها. وتعاني لملء بعض الأوعية البلاستيكية بالمياه، التي بالكاد تكفيها ليومين أو ثلاث. وتشكو في حديثها لـ "العربي الجديد" عندما تتحدث عن المشكلة، فتقول: "العطش الذي يكاد يفتك بنا"، لافتة إلى أن المعاناة شبه يومية. وترتدي فرهودة جلباباً أسود اللون، وتضع على رأسها وشاحاً قطنياً مزركشاً. تبدو ملامحها متعبة. فرحلات الذهاب والإياب للوصول إلى منبع المياه أثرت بملامح وجهها الريفي المكابر، والمتحدي لكل الظروف المناخية. تقول إنها مضطرة إلى توفير المياه لأسرتها، التي تحاول الصمود منذ سنوات، فلا يوجد أصعب من عدم توافر المياه في منطقة منسية.

فرهودة ليست الوحيدة التي تكافح يومياً لتأمين المياه. إذ لا تتوافر المياه الصالحة للشرب في العديد من القرى والمناطق الريفية والحدودية. زهرة السالمي، وهي من منطقة أولاد هلال التابعة لمعتمدية بحفوز في ولاية القيروان (وسط تونس)، تضطر يومياً إلى البحث عن المياه، وهو ما يدفع أهالي المنطقة إلى الاحتجاج، منددين بالعطش. تقول السالمي لـ "العربي الجديد" إن منطقة أولاد الهلال، على الرغم من كونها منبعاً للمياه، إلا أنها تحتوي على صنبور واحد تتدفق فيه المياه لمدة ساعة يومياً. ومن يتمكن من الحصول على المياه يعد محظوظاً. أما من لم يحصل عليها، فينتظر دوره في اليوم التالي. ومن خلال عربة صغيرة تجرها دواب، تجلب المياه من الآبار، إلا أنه لا يحق لها ملء أكثر من أربعة  أوعية بلاستيكية وإن كانت لا تسدّ احتياجاتها. وتأمل السالمي تطوير البنى التحتية لتصل مياه الشرب إليهم في وقت قريب، وخصوصاً بعد وعود السلطات الجهوية، رداً على الاحتجاجات التي نفذها الأهالي. 

في هذا السياق، يقول الناشط وأحد سكان حفوز، منصف الصالحي، إن مشكلة نقص المياه في حفوز تعد إحدى أهم المشاكل التي تعانيها المنطقة. ويقول إن المياه غير متوافرة أبداً في بعض المحافظات، فيما تعاني أخرى من نقص كبير في ظل غياب الآبار العميقة. وحتى اليوم، يملأ الناس الأوعية البلاستيكية بالمياه من العيون ومن الآبار القديمة ويقطعون عدة كيلومترات للوصول إليها، كحال أهالي مناطق العالية (ولاية بنزرت) والعنق (شمال غرب مدينة مجاز الباب وشرق مدينة باجة) والمساعيد (معتمدية العلا) وجباس (معتمدية المكناسي من ولاية سيدي بوزيد). ويحمّل مسؤولية ما يعانيه الأهالي للدولة التي لم توفر المياه لهم، بالإضافة إلى الجمعيات المائية التي تتولى إدارة واستغلال الموارد المائية، وتزويد المناطق الريفية بالمياه، وعادة ما يديرها متطوعون من سكان المنطقة. إلا أنها تواجه مشاكل تنظيمية وإدارية عدا عن تراكم الديون. 

يضيف الصالحي أن منطقة شرِيشيرة الواقعة في معتمدية حفوز في ولاية القيروان، تشكو نقص المياه أيضاً. وتصل المياه إلى تجمعات سكنية لأقل من ساعة في اليوم، مثل أولاد هلال. ويضطر كل شخص إلى تأمين المياه بمفرده، إما من خلال الصهاريج أو العيون. ويومياً، يمكن رؤية نساء يستعنّ بالدواب لملء أوعية بلاستيكية بالمياه، وهناك من يحملنها على أكتافهن. يضيف أن هذا الوضع جعل كثيرين في حالة يأس، في ظل الوعود المتكررة التي تقدمها الدولة، من دون أن تحقق أياً منها.

من جهتها، تقول المنسقة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منيار المجبري، لـ "العربي الجديد"، إن  الإحصائيات تشير إلى أن نحو 60 ألف شخص في تونس يعانون بسبب عدم ربط مناطقهم بشبكات المياه، مشيرة إلى اندلاع احتجاجات عدة خلال شهر أغسطس/ آب الماضي في الكرمة والشبيكة في معتمدية حفوز في محافظة القيروان، وغيرها من المناطق، للمطالبة بتأمين المياه، علماً أن هناك مشاريع لم تنفذ منذ نحو خمس سنوات. وتؤكد أن جنوب القيروان يشهد انقطاعاً متكرراً للمياه، كمنطقة زعفرانة مثلاً. وتتابع المجبري قائلة إن منطقة حفوز تحتوي على عيون عدة ونوعية مياهها جيدة، إلا أن سكانها يعانون العطش، ما دفعهم إلى تنفيذ احتجاجات عدة. وتؤكد أن مناطق عدة مثل رقادة (غرب مدينة القيروان) وأخرى قريبة من القيروان مثل الحوامد والشعابنية لم تُربَط بشبكات المياه، موضحة أن المنتدى يتابع ملف أهالي أرض الجباس في القيروان، حيث تعيش سبع عائلات من دون مياه، على الرغم من الموافقة على وصل منطقتهم بشبكات المياه. تضيف أن البعض يملأ المياه من الآبار العشوائية، والبعض يجلب المياه من أماكن بعيدة، وقد يقطع من أجل ذلك كيلومترات عدة.

الأرشيف
التحديثات الحية

وتعاني معتمديات عدة في فرنانة وعين دراهم وطبرقة في محافظة جندوبة شمال غرب تونس، بسبب عدم ربطها بشبكات المياه، لتقطع تونسيات كيلومترات عدة لجلب المياه، كما يقول الناشط وليد الزغواني لـ "العربي الجديد". يضيف أن محافظة جندوبة تضم نحو 30 بحيرة وعدة سدود، فيما تضم فرنانة 3 سدود و23 بحيرة. لكن خلال السنوات الأخيرة، تعطلت مشاريع عدة كان يفترض أن تساهم في تأمين المياه للأهالي. وبالتالي، تضطر عائلات عدة إلى التوجه إلى العيون والآبار وتعبئة أوعية بلاستيكية بالمياه، علماً أن ما يحصلن عليه ليس كافياً، وخصوصاً في فصل الصيف. وعلى الرغم من أن الدستور يكفل الحق في المياه، تبقى بعض المناطق الحدودية محرومة المياه.

المساهمون