منازل غزة... هكذا دمر الاحتلال المشاريع الإسكانية

منازل غزة... هكذا دمر الاحتلال المشاريع الإسكانية

08 فبراير 2024
بنايات "مدينة حمد" قبل العدوان وبعده (محمود الهمص/فرانس برس)
+ الخط -

مع دخول العدوان على قطاع غزة شهره الخامس، دمر القصف الإسرائيلي خلال الأشهر الأربعة الماضية العديد من الأحياء السكنية، ومن بينها عدد من المشروعات السكنية الممولة من خارج القطاع.

يتعرض قطاع غزة لانتهاكات وحروب وتدمير متعمد للبنايات منذ عقود، كما فُرض عليه حصار إسرائيلي يدخل عامه الثامن عشر صيف العام الحالي، وتشمل الانتهاكات سياسات التجويع، وانعدام فرص السفر، وندرة فرص العمل، ما يجعل القطاع الضيق من بين أكثر المناطق الفلسطينية التي أُنشئت فيها مشاريع تنموية وإسكانية بهدف إغاثة السكان المكتظين، ومن بينهم مئات من أسر الشهداء، وآلاف المتضررين بسبب القصف الإسرائيلي.
على مدار سنوات الحصار، وفي ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر، أُنشئ عدد من المدن والأحياء السكنية في قطاع غزة، والتي ضمت كل تفاصيل البنية التحتية، ووحدات خدمية ومحال تجارية، بدعم وتمويل من عدة دول عربية مثل قطر والسعودية والكويت والإمارات ومصر، وكذا دول أوروبية، ما أسهم في حل الكثير من مشاكل السكن للفقراء والمحتاجين، وتوفير مئات فرص العمل للعاطلين.
كانت "مدينة حمد" السكنية في مدينة خانيونس، تعد أكبر مشروع تنموي أنشئ في قطاع غزة خلال سنوات الحصار بدعم خارجي، وكان تمويلها بالكامل قطريًّا، وهي تحمل اسم أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكانت تضم 53 عمارة سكنية بارتفاع 5 طوابق لكل منها، وتحتوي على 2464 وحدة سكنية، وقد دمرها القصف الإسرائيلي بشكل شبه كامل.
كما دمر قصف الاحتلال "مستشفى حمد للعلاج الطبيعي والأطراف الصناعية" في غرب مدينة غزة، والذي كان يقدم خدماته للآلاف من جرحى ومصابي العدوان الإسرائيلي، ومئات الأشخاص ذوي الإعاقة، ودمر القصف الجزء الشمالي من شارع الرشيد الرئيسي على طول شاطئ البحر في شمال القطاع.

كانت المشاريع الإسكانية والتنموية المدمرة فرصة حياة لآلاف الغزيين الفقراء

ودمرت طائرات الاحتلال "حي الأمير نايف بن عبد العزيز" في بلدة بيت لاهيا (شمال)، والذي أُنشئت فيه 100 وحدة سكنية بدعم سعودي، وسكنها الغزيون عام 2017، ودمرت كذلك أبراج "مدينة الشيخ زايد" شمالي القطاع، والتي تضم 736 وحدة سكنية أُنشئت بدعم إماراتي، وافتتحت عام 2005.
وألحق القصف أضراراً بالغة بـ"الحي النمساوي" الذي أقيم بدعم من الحكومة النمساوية في العام 2000 في الجزء الغربي من مدينة خانيونس، وقد اقتحمته آليات الاحتلال ودمرت برجين من مجموع 10 أبراج فيه، وألحقت دماراً كبيراً بالمقبرة الملاصقة للحي، مع وجود اتهامات من المكتب الإعلامي الحكومي بسرقة بعض الجثامين من المقبرة.
وتعرضت مدينة "دار مصر 3" الواقعة غربي بلدة بيت لاهيا شمال القطاع لتدمير الكثير من المباني، حتى أن جيش الاحتلال دمر النصب التذكاري فيها، ولافتة كانت تحمل علم مصر وصورة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، كما ألحقت دماراً مماثلاً بمشروع "دار مصر 2" في منطقة الكرامة، وبالفرع الأول من المباني الذي يحمل اسم "دار مصر 1" الواقع بالقرب من مدينة الزهراء في منطقة غرب وسط القطاع، حيث دمرت عدداً كبيراً من المباني، وبعضها لم يتم افتتاحه بعد، وهي من بين المشاريع التي قررت الحكومة المصرية توليها عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي في مايو/أيار 2021.
وتعرض الحي السعودي غربي منطقة تل السلطان في مدينة رفح (جنوب) لعدة استهدافات، ودمرت العديد من الشقق السكنية فيه، من بينها تدمير مبنى كامل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى استشهاد جميع الأفراد الذين كانوا فيه، وكان من بينهم 4 أطفال، وتلاحق المخاوف حالياً سكان الحي الذي بُني بتمويل سعودي، وافتتح في عام 2015، ويضم 302 وحدة سكنية.

الصورة
خسر عشرات الآلاف منازلهم في غزة (علي جاد الله/الأناضول)
خسر عشرات الآلاف منازلهم في غزة (علي جاد الله/الأناضول)

كان الفلسطيني كمال أبو سمارة (50 سنة) يعيش في فقر مدقع في إحدى مناطق شمالي قطاع غزة النائية، وكان من العاطلين من العمل بسبب الحصار الإسرائيلي كون مهنته النجارة، ولديه ابن من ذوي الإعاقة الحركية نتيجة حادث سير في طفولته، وقد كرر التقدم بطلبات للعديد من الجمعيات الخيرية للحصول على مسكن لأسرته بعدما خسر عمله نتيجة تدمير المنشأة التي كان يعمل بها بسبب قصف إسرائيلي، وكان حينها مضطراً للبقاء في منزل عشوائي كونه لا يملك المال لاستئجار منزل لإيواء أولاده الخمسة، قبل أن يحصل على شقة سكنية في حي الأمير نايف بعد الكثير من المناشدات الإنسانية.
يقول أبو سمارة لـ"العربي الجديد": "عشت حياة أشبه بالجحيم عندما كنت أسكن بالقرب من قرية أم النصر البدوية المعروفة لسكان قطاع غزة، وكنت أحلم بالحصول على شقة لأكثر من عامين، بينما كنت أعيش في شقة تتسرب إليها المياه، وتشاركنا فيها القوارض والحشرات، وعندما حصلت على الشقة تغير كل مسار حياتي. كنا من أوائل السكان الذين غادروا شمالي القطاع بعد العدوان الإسرائيلي، فكثير من المباني الملاصقة لنا دُمر، وقررت النجاة بروحي وأرواح أسرتي، رغم أن روحنا في الشقة التي عشنا فيها على مدار سبع سنين، وكنا نعتني بها كأنها طفلتنا المدللة، وقد صدمت أثناء فترة الهدنة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين أخبروني أن المبنى تم قصفه، وأنه سوّي بالأرض".
ولم يطاول التدمير الأحياء السكنية وحدها، إذ دمر قصف الاحتلال المرافق والشوارع، وحتى الحدائق، وطاول مشاريع الغزيين الصغيرة التي كانت تتمثل في محال تجارية تشكل مصادر رزق للآلاف، كما استهدف القصف مدارس الأطفال، ومحطات المياه وخدمات الكهرباء.

الصورة
دمار هائل أصاب بنايات "مدينة حمد" وشرد سكانها (محمود الهمص/فرانس برس)
دمار هائل أصاب بنايات "مدينة حمد" وشرّد سكانها (محمود الهمص/فرانس برس)

كانت "مدينة حمد" تضم مناطق خضراء، وحدائق للأطفال، ومتاجر صغيرة، وصيدليات وعيادات طبية، وسوقا أسبوعيا، فضلاً عن أربع مدارس، وجميعها تعرضت لأضرار بالغة، أو دمار كلي. يقول محمد أبو حشيش (45 سنة) الذي كان يملك شقة في أحد الأبراج التي دمرت بالكامل لـ"العربي الجديد": "كنا من بين العائلات الأشد فقراً التي حصلت على شقق في العام 2016، وكنا سابقاً نقيم في مخيم جباليا شمالي القطاع. كنت أسكن في مدينة حمد، وكان شقيقي أيمن، وهو من جرحى الانتفاضة الثانية عام 2000، يسكن في شقة بمدينة الشيخ زايد. نحن عائلة راح منا شهداء، وفقدنا مصادر رزقنا بسبب الاحتلال، وكنا نحاول أن نتعايش مع الأوضاع بأقل الإمكانات طالما أننا نملك منزلاً".
يضيف أبو حشيش: "نحن الآن نازحون، وقد دمر القصف منزلي ومنزل أخي، وربما كنا من المحظوظين الذين تمكنوا من الحصول على خيمة واحدة تؤوينا، وقد نزحت مع شقيقي بعد أسبوعين على بدء العدوان، ونعيش حالياً في خيمة على الحدود المصرية. لا يبالي الاحتلال بسكان المشاريع الإسكانية في غزة، ولا يحترم حتى أيًّا من الدول التي مولت تلك المشاريع الإسكانية والتنموية، حتى أنه لا يحترم علم الأمم المتحدة. إنهم يريدون إبادة كل من في غزة".
وكانت المشاريع الإسكانية والتنموية فرصة للغزيين للعيش في مدينة أو حي متكامل، وكانت تقسم المستحقين إلى عدة فئات، إذ تخصص المشاريع شققاً مجانية لأسر الشهداء والجرحى والعائلات الأشد فقراً، ثم تحصل فئة أخرى من الأسر الممتدة على شقة في مقابل دفع جزء من القيمة التقديرية لها، والفئة الثالثة هي الأسر الصغيرة الراغبة في السكن، والذين كانوا يبادرون إلى التسجيل طوال سنوات الحصار في ظل غياب المشاريع الإسكانية الفلسطينية.

وكانت أسر عديدة قد قامت بتسجيل بياناتها لدى وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة عبر موقع إلكتروني مخصص للحصول على تلك الشقق الجديدة. من بينهم أسرة علي الحسنات (35 سنة)، والذي يعمل كمسوق إلكتروني، لكن توقف عمله نتيجة العدوان بسبب انقطاع الإنترنت.
لدى الحسنات طفلان، وكان يرغب في الحصول على شقة سكنية ضمن أحد هذه المشاريع كون دخله الشهري لا يمكنه من ادخار المال لشراء شقة، وكان يعيش في منزل والده منذ زواجه، كونه لا يستطيع تحمل أعباء إيجار منزل مستقل كالكثير من فئة الشباب في القطاع. ويقول لـ"العربي الجديد": "على مدار سنوات، يلاحق آلاف الشباب أخبار التسجيل للحصول على شقق سكنية في أي مشروع، فنحن نعيش ازدحاماً جنونياً في قطاع غزة، وكانت لديّ آمال في الحصول على شقة بمدينة (دار مصر) كون الأقساط فيها مريحة، وجهزت بالفعل مبلغ الدفعة الأولى. لكن كلما حلمنا بشيء يضمن مستقبلنا يأتي العدوان الإسرائيلي ليدمره في لمح البصر".

المساهمون