مغتربون عائدون إلى روسيا يواجهون التخوين

مغتربون عائدون إلى روسيا يواجهون التخوين

23 ديسمبر 2023
الهجرة العكسية للمغتربين الروس مستمرة منذ الشتاء الماضي (ناتاليا كوليسنيكوفا/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب نهاية العام الثاني على اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا التي تسببت في هجرة مئات آلاف الشبان الروس للهرب من التعبئة العسكرية وتجنب تداعيات المستقبل الغامض لبلدهم، تشهد روسيا حالياً ظاهرة عودة هؤلاء المغادرين بعدما ابتعد شبح إجراء تعبئة عسكرية جديدة، أو اندلاع حرب نووية، أو حصول انهيار اقتصادي.
لكن المجتمع الروسي يعيش حالة من الانقسام حيال عودة المغتربين، إذ يطالب البعض بضرورة تحفيزهم على العودة، في مقابل معارضة آخرين يتخذون مواقف معادية ممن غادروا البلاد أثناء مرورها بأزمة عميقة. 
وأظهر استطلاع أجرته مجموعة "راشن فيلد" للبحوث بطلب من شركة "دوبرافسكي" للاستشارات، ونشرت نتائجه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن 43 في المائة من الذين استطلعت آراؤهم يعتقدون أن الدولة يجب أن تتخذ إجراءات لإعادة المغتربين، في حين عارض 28 في المائة منهم أي سياسات تحفيزية، ورأى 20 في المائة أنه يجب منع "الفارين" من العودة.
على الصعيد الرسمي، أكد الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أن بلاده منفتحة على عودة الجميع باستثناء "الأعداء"، وقال إن "العديد من الروس في الخارج يدعمون القوات الأوكرانية، ما يعرضهم للمساءلة القانونية، والرفض الشعبي لعودتهم".
بدوره، وصف رئيس مجلس الدوما (النواب)، فياتشيسلاف فولودين، من غادروا البلاد بأنهم "خونة"، ولوّح بمساءلة أولئك الذين سبق لهم أن أدلوا بأقوال معادية لروسيا بموجب المادة 275 من القانون الجنائي.
ورغم التحذيرات وانعدام الترحيب بالعائدين ثمّة مؤشرات على تنامي ظاهرة عودة المغتربين بطريقة غير مباشرة، بينها تزايد الإقبال على استئجار العقارات وارتفاع الأسعار، إذ تراجع عدد الشقق الشاغرة المعروضة للإيجار في العاصمة موسكو بنسبة الثلثين منذ بداية العام الحالي، وهو الأعلى منذ 30 عاماً وفق بيانات شركة "إنكوم" للعقارات. 
يلفت رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، إلى أن "ظاهرة عودة المغتربين ليست وليدة اللحظة، بل مستمرة منذ الشتاء الماضي"، ويقدّر، في غياب إحصاءات دقيقة، نسبة العائدين بـ70 في المائة ممن غادروا. ويقول لـ"العربي الجديد": "بحلول الصيف الماضي، عاد إلى روسيا أكثر من نصف من غادروا في عام 2022. لم تكن شروط التعبئة تنطبق على غالبية من غادروا، لكنهم استجابوا لحالة الذعر التي نشرتها وسائل الإعلام المناهضة لروسيا، ثم بدأوا في العودة من الشتاء الماضي". 

الصورة
تراجع عدد الشقق الشاغرة المعروضة للإيجار في موسكو مؤشر لعودة المغتربين (صفا كاراشان/ الاناضول)
تراجع عدد الشقق الشاغرة المعروضة للإيجار في موسكو مؤشر لعودة المغتربين (صفا كاراشان/الأناضول)

ويرجح ميندكوفيتش ارتفاع نسبة العائدين إلى 70 في المائة على الأقل بحلول خريف 2023، ويعزو ذلك إلى "مواجهة المغتربين ظروف حياة أسوأ في ظل البطالة والتمييز من الأوروبيين، ما جعل رهاب روسيا في الغرب يوقظ كثيرين كانوا يعتبرون العملية العسكرية في أوكرانيا خطأ، ويدركوا بالتالي أن حرباً وجودية تشن ضد بلادهم، وأنه يجب الانتصار فيها لضمان مستقبل الشعب".
يضيف: "ما دفع العديد من المغتربين إلى حسم قرار العودة هو منع العديد من الشركات الروسية نظام العمل عن بعد، والذي يشكل الخيار الجيد الوحيد لتحقيق الروس في الخارج مكاسب مالية، خصوصاً أن الشركات في البلاد التي غادروا إليها رفضت توظيفهم بدوافع تمييزية، كما تخلى عدد متزايد من الشركات الروسية عن الموظفين الذين يعملون من الخارج لأسباب أمنية". 
وكان مصرف "تينكوف" الذي يحتل المرتبة 12 بين المصارف الروسية على صعيد صافي قيمة الأصول، حظر على موظفيه العمل عن بعد من دول أجنبية، باستثناء بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان، والتي تتوفر فيها مراكز لمعالجة البيانات. 

ورغم أن المصرف يعد أحد أكبر المصارف على مستوى العالم التي تعمل بنظام "أونلاين" وبلا فروع تقليدية، لكنه برر قراره بسببين، أولهما أنه مؤسسة ذات أهمية حيوية وأحد كيانات البنية التحتية المعلوماتية التي تنطبق عليه متطلبات الهيئة الفيدرالية للرقابة الفنية والتصديرية، والثاني هو ضرورة تحلي المصرف بأعلى درجة من المسؤولية لمنع أي تسرب للمعلومات الحساسة، خصوصاً في ظروف الخطر العالي للهجمات على البنى التحتية للمعلوماتية".
وفي وقت سابق من العام الحالي، أعلن مسؤول أوروبا في منظمة "برو أزول" للدفاع عن حقوق اللاجئين، كارل كوب، أنه "من المخزي أن أولئك الذين يتهربون من الحرب العدوانية التي تنتهك فيها روسيا القانون الدولي لا يحصلون على الحماية ضمن إجراءات اللجوء الألمانية"، وشدد على أن "المواطنين الروس الذين أداروا ظهورهم لحكومة بلادهم، أو أعلنوا رفضهم الحرب، يعيشون في خطر كبير، ويجب أن يحصلوا على فرص للتعليم والعمل في ألمانيا، وبقية دول أوروبا".

المساهمون