مصر: مسميات قانون السجون الجديدة لا تغيّر الواقع

مصر: مسميات قانون السجون الجديدة لا تغيّر الواقع

12 مارس 2022
جولة للإعلام في مركز لإعادة تأهيل السجناء(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

مع موافقة مجلس النواب المصري على مشروع قانون مقدّم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون، والهادف إلى تغيير المسمى إلى "مراكز إصلاح وتأهيل"، قابل الكثير من الناشطين الأمر بالسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ونص التعديل الذي وافق عليه مجلس النواب بشكل نهائي على تغيير اسم السجناء إلى نزلاء، ومأموري السجون إلى مديري مراكز التأهيل، وإلغاء كلمات "سجون" و"ليمانات" أينما وردت في القانون، مع إقرار حقوق جديدة للنزلاء، مثل استكمال التعليم، وتسليمهم المذكرات والمكاتبات شخصياً، تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا بشأن وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون.
وحلّ وسم "الحرية للنزلاء" بدلاً من "الحرية للمعتقلين"، و"مصلحة المتأهلين" بدلاً من "مصلحة السجون"، و"مسؤول استدامة انتهاكات" بدلاً من "مسؤول سجن". وقالت الحكومة في مذكرتها الإيضاحية بشأن تعديل القانون إنه "جاء في إطار خطة تطوير المؤسسات العقابية لناحية مسمياتها، وأبنيتها، وإدارتها، على نحو يرسخ قيم ومبادئ حقوق النزلاء، ويوفر الحماية المجتمعية لهم، والاستفادة من تأهيلهم في برامج وخطط التنمية؛ فضلاً عن تأهيل المحكوم عليهم اجتماعياً وثقافياً، وإدماجهم في المجتمع من خلال دعم حقوقهم التعليمية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية".
واستهدف تعديل المسميات في القانون أساساً الترويج للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/ أيلول الماضي، للتخفيف من حدة الضغوط الخارجية على نظامه حول ملف "حقوق الإنسان"، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. 
وفي الثاني عشر من مارس/ آذار 2021، أعربت حكومات 31 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، عن "القلق العميق" إزاء انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي ترتكبها السلطات المصرية، في ظل إفلات مستمر من العقاب.
الإعلان المشترك من الدول، الذي عرض خلال الجلسة الـ 46 للمجلس، سلط الضوء على "القيود المفروضة على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، والتضييق على المجتمع المدني والمعارضة السياسية". وأدان استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة المعارضين السلميين.
ودعت الدول المنضمة إلى الإعلان المشترك إلى "المساءلة والإنهاء الفوري للإفلات من العقاب"، وطالبت مصر بوقف انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة للمحاكمات العادلة، بما في ذلك الاستخدام المفرط للاحتجاز الطويل السابق للمحاكمة، وضم المحتجزين لقضايا جديدة بتهم مماثلة بعد انتهاء المدة القانونية لحبسهم الاحتياطي. بعدها، تبنت مائة منظمة حقوقية دولية وإقليمية هذا الإعلان، وسردت بدورها صوراً من تلك الانتهاكات. 

وجاء في بيان المنظمات المائة أنه "في ظل حكم السيسي، قضت السلطات المصرية فعلياً على مساحات التعبير والتجمع السلميين، والحق في تكوين الجمعيات. وارتكبت قوات الأمن بتواطؤ مع المدعين العموميين والقضاة جرائم الاعتقال والاحتجاز التعسفي، ومحاكمة الآلاف، بمن في ذلك مئات المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الأقباط، والمتظاهرين السلميين، والصحافيين والأكاديميين، والفنانين، والسياسيين، والمحامين".

بعدها اتخذت مصر إجراءات هامشية عدة في سبيل تحسين صورتها أمام العالم، مثل الإفراج المحدود عن عدد من النشطاء والصحافيين، والحد من الإجراءات المشددة المفروضة على منظمات المجتمع المدني، وإطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان مدتها خمس سنوات في سبتمبر/ أيلول 2021، تتضمن المحاور الرئيسية للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان في مصر، بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة ويحقق أهداف رؤية مصر 2030، وتشمل محاور عمل رئيسية، هي: الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الإنسان للمرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات في حقوق الإنسان.

في أحد سجون مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)
في أحد سجون مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وانتهت الإجراءات الهامشية لتحسين صورة مصر أمام العالم في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان بإعلان السيسي في 25 أكتوبر/ تشرين الأول إنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. وسوّق النظام المصري لإعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ولإنهاء حالة الطوارئ، باعتبارها إنجازاً غير مسبوق وخطوة "حكيمة" في توقيت صائب بعد استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد. 
وتستهدف الاستراتيجية، كما جاء فيها، "تعزيز الضمانات ذات الصلة بضوابط ومبررات ومدة الحبس الاحتياطي الواردة في القوانين الوطنية، والنظر في تضمين قانون الإجراءات الجنائية المزيد من البدائل المتطورة تكنولوجياً للحبس الاحتياطي، والعمل على تفعيل البدائل الواردة فيه". وتضمن بعض من نصوص الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عبارات ومفاهيم "العدالة الناجزة ــ تقييد الحرية في أضيق نطاق ممكن ولأقصر فترة ممكنة ــ البدائل المتطورة التكنولوجية لبدائل الحبس الاحتياطي".

لكن تغيير المسميات لن يغير شيئاً من الواقع الذي يعيشه السجناء في مصر، ولن يجعل الانتهاكات التي تمارس بحق الكثير منهم، وخصوصاً السياسيين، انتهاكات رقيقة، ولن يعود بالنفع على المحبوسين احتياطياً ممن تخطوا مدة الحبس الاحتياطي المقررة بعامين في القانون، ولن يعالج المرضى الذين يعانون من إهمال طبي في السجون، ولن يزيد من مساحة الزنازين الانفرادية ويقضي على وحشيتها. 
وازداد عدد السجناء كثيراً عقب إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، الأمر الذي أدى إلى اكتظاظ شديد في السجون، بحسب منظمة العفو الدولية، التي أكدت تكدس مئات السجناء في زنازين مكتظَّة. ويبلغ متوسط المساحة المتاحة لكل سجين من أرضية الزنزانة نحو 1,1 متر مربع، وهي تقل كثيراً عن الحد الأدنى الذي أوصى به خبراء، وهو 3,4 أمتار مربعة. وترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في مصر، وتشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ نحو 114 ألف سجين، أي ما يزيد على ضعف القدرة الاستيعابية للسجون التي قدّرها السيسي في ديسمبر/ كانون الأول 2020 بـ 55 ألف سجين، بحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في يناير/ كانون الثاني 2021.

المساهمون