مصر: كانتين السجن رفاهية وحرمان من الحق المدفوع نقداً

مصر: كانتين السجن رفاهية وحرمان من الحق المدفوع نقداً

17 يونيو 2021
"عِيش" له ولزملائه السجناء (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

"ممنوع إدخال طعام لسيف. سُمح بذلك مرّة واحدة فقط قبل شهر ونصف الشهر. وممنوع علينا أن نضع له المال في كانتين السجن ليشتري ما يشاء. وممنوعة عنه الزيارات الأسبوعية. وممنوعة عنه الكتب والأقلام والمراسلات". بهذه الكلمات وصفت آلاء يوسف، زوجة المعتقل السياسي سيف صفوان ثابت، معاناته في السجن.

وسيف صفوان ثابت، نجل رجل الأعمال المصري صفوان ثابت، محبوس احتياطياً على ذمة قضية، بتهم تمويل ودعم جماعة إرهابية ومشاركة جماعة تأسّست بالمخالفة لأحكام القانون والدستور.
لم تشفع له أمواله ولا كونه نجل واحد من أغنى رجال الأعمال في مصر، لينجو من الإجراءات التعسفية غير القانونية المتّبعة في السجون المصرية، من قبيل حقّه في الطعام والشراب من خلال الشراء من كانتين السجن بالمال المودَع لهذا الغرض. يُذكر أنّ السلع المتوفّرة في الكانتين هي السلع الأساسية، ويُمنَع إدخالها في خلال الزيارات، لإجبار السجناء على شرائها بأسعار مضاعفة. وفي الآونة الأخيرة، مُنع إدخال بعض الأدوية من الخارج لتُباع في الكانتين بأسعار غالية، فيكون التربّح منها بالتالي خيالياً. هذا ما تؤكده أسر السجناء وكذلك حقوقيون مصريون.
ويُسمح عادة للسجناء بشراء ما يحتاجونه من كانتين السجن في مقابل بطاقات يستلمها السجناء بعد وضع ذويهم مبلغاً من المال في أمانات السجن في أثناء الزيارة. وتختلف أسعار السلع المتوفّرة في الكانتين من سجن إلى آخر، ولا يوجد أيّ بند في قانون تنظيم السجون خاص بهذا الأمر، إذ لم يُذكر إطلاقاً. وتُعَدّ الكانتين السبوبة الكبرى لبعض الضباط، إذ يأخذ الضابط المسؤول عنها نسبة من مبيعاتها، علماً أنّ الزيادة في أسعار الكانتين في بعض السجون تبلغ 25 في المائة، فيما تصل في سجون أخرى إلى 100 في المائة. ومع استخدام كانتين السجن في التربح أو السرقة العلنية، إن صحّ التعبير، على حساب المساجين، فهي تُستخدم كذلك كوسيلة للتعسّف والتمييز ضدّ بعض هؤلاء من خلال حرمانهم من الشراء وإجبارهم على الاكتفاء بطعام السجن الذي يُعَدّ رديئاً لجهة الصنع والمكوّنات والجودة.
وفقاً للمادة 16 من قانون تنظيم السجون المصري، "يجوز للمحبوسين احتياطياً استحضار ما يلزمهم من الغذاء من خارج السجن أو شراؤه من السجن بالثمن المحدّد له. فإن لم يرغبوا في ذلك أو لم يستطيعوا، صُرف لهم الغذاء المقرر". لكن ما يحدث بالفعل في السجون المصرية هو مخالفة صريحة لهذه المادة وغيرها من المواد الواردة في هذا القانون. فالمواد الغذائية بمعظمها ممنوع إدخالها في خلال الزيارات إلا بعد دفع مبالغ طائلة للمخبرين والضباط على سبيل الرشوة أو الابتزاز، وفي حال توفّرت في كانتين السجن تكون أغلى من الأسعار الطبيعية بأضعاف مضاعفة، ويُحرم السجين تعسفاً من حقه البسيط المدفوع ثمنه مسبقاً.

ولمواجهة هذا التعسف غير القانوني، يعتمد سجناء كثر على "طعام التعيين" (الطعام المحضّر في مطابخ السجون) نظراً إلى طول المدّة بين زيارة وأخرى، والتي تصل إلى أسبوعين بالنسبة إلى السجناء المحكوم عليهم، أو تطول أكثر من ذلك بسبب حرمان كثيرين من حقهم في الزيارة من أمثال سيف صفوان ثابت الذي كانت زوجته قد نشرت جدولاً بالزيارات الملغاة.
وتقدّم إدارة السجن وجبتَين أساسيتين في اليوم، الأولى في الصباح وهي خبز وجبن، وفي بعض الأيام تشمل كذلك البيض أو حلاوة طحينية وبعض الخضراوات غير الطازجة. أمّا الوجبة الثانية فهي وجبة الغداء، وتشمل الأرزّ والخضار في معظم الأيام، ويُضاف إليها اللحم يومَين في الأسبوع فقط، وهذا في الأحوال العادية التي لا يمارس في خلالها السجانون تعنتاً مع السجناء. ونظراً إلى عدم توفّر طعام جاهز في كانتين السجن، ومنع إدارة السجن دخول أطعمة كثيرة في خلال الزيارات، لا يجد السجين أمامه إلا طعام التعيين فقط، فيعتمد عليه إمّا كلياً وإمّا جزئياً.
ومع عدم توفّر سخّان كهربائي للطبخ أو غلاية مياه كهربائية في الزنازين، وتعنّت الإدارة أحياناً في إدخال مثل هذه المستلزمات في خلال الزيارات، يضطر السجناء إلى شرائها بأسعار مرتفعة من داخل السجن وأحياناً في مقابل علب سجائر، فيعمدون بعدها إلى إعادة طبخ طعام التعيين مع إضافة بعض المحسنات عليه.

سجناء ومطبخ سجن في مصر (محمد الشاهد/ فرانس برس)
مطبخ سجن في مصر (محمد الشاهد/فرانس برس)

ووفقاً للقانون المصري كذلك، يُسمح للسجين مهما كانت درجته الإدارية بقبول ما يقدّمه له زائروه من أطعمة وحلوى وفاكهة في حدود استهلاكه الشخصي ليوم واحد، وسجائر في حدود 40 سيجارة، سواء في الزيارة العادية أو الخاصة، علماً أنّ المحكوم عليهم بالإعدام لا يستفيدون من هذه الميزة. وتقسيم السجناء ومعاملتهم بحسب قانون تنظيم السجون أتى في ثماني مواد، من المادة 13 إلى المادة 20. وقد نصّت المادة 13 على أن "يُقسّم المحكوم عليهم إلى درجات لا تقلّ عن ثلاث، وتبيّن كيفية المعاملة والمعيشة لكلّ درجة بقرار من وزير الداخلية، بناءً على اقتراح مدير عام السجون وموافقة النائب العام. وتُراعى اللوائح الداخلية للسجون في ترتيب وضع السجناء في كلّ درجة وفي نقلهم من درجة إلى أخرى مع مراعاة السنّ".
بالإضافة إلى ذلك، تُمارَس الانتهاكات في السجون في غياب الإشراف القضائي، في حين تنصّ المادة 55 من الدستور المصري على أنّ "كلّ من يُقبض عليه، أو يُحبس، أو تُقيّد حريته، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً". وتتبعها المادة 56 ونصّها: "تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كلّ ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرّض صحته للخطر".

المساهمون