متحف غولاغ "الستاليني" ... أبرياء القمع السوفييتي في الذاكرة

متحف غولاغ "الستاليني" ... أبرياء القمع السوفييتي في الذاكرة

01 اغسطس 2021
ينقل المتحف زواره إلى أجواء المعسكرات الستالينية (العربي الجديد)
+ الخط -

وسط العاصمة موسكو ثمة مبنى بمعالم غير لافتة يضم متحف تاريخ غولاغ الذي يسلط الضوء على صفحات مأساوية من تاريخ الاتحاد السوفييتي السابق خلال فترة حكم الديكتاتور جوزيف ستالين، وموجات القمع التي شهدتها والتي طاولت الملايين، وبلغت ذروتها عام 1937.  
تتحدد مهمة المتحف الذي تأسس عام 2001 وانتقل إلى موقعه الحالي عام 2015، بكشف حقائق قمع العهد الستاليني، ودفع زواره إلى التفكير في قيمة الحياة البشرية.   
ويختصر اسم "غولاغ" عبارة "الإدارة العامة لمعسكرات العمل القسري" باللغة الروسية. وذاع صيته عالمياً بفضل رواية "أرخبيل غولاغ" للكاتب الراحل الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1970، ألكسندر سولجنتسين، والذي استند فيها إلى شهادات 257 معتقلاً، وتجاربهم الشخصية.  
تشرح إحدى لافتات المتحف أن "قمع الدولة بدأ منذ الأيام الأولى لوصول السلطة السوفييتية إلى سدة الحكم عام 1917، وأن أي شخص كان يمكن أن يُصنّف ضمن أعداء الشعب، بسبب أصله أو مهنته أو انتمائه الحزبي وأسباب أخرى".   
في نهاية العشرينات من القرن العشرين، باشر الاتحاد السوفييتي في الانتقال بسرعة إلى المرحلة الصناعية، ما تسبّب في مشكلات اقتصادية مثل العجز المالي وتراجع مستوى معيشة العمال. وتحولت القيادة الستالينية حينها إلى صورة "العدو" في الرأي العام، بعدما شنّت سلسلة حملات اعتقال مهدت لتوسع نطاق القمع.   
وبين عقدي العشرينات والخمسينات، ضمت أراضي الاتحاد السوفييتي نحو 500 معسكر عمل، تواجد عدد كبير منها في مناطق نائية غير مأهولة ذات برد قارس لا تتوافر فيها أبسط متطلبات الحياة اليومية، ما جعل المعتقلين لا يواجهون تحدي البقاء أحياء فقط، بل أيضا تحدي الحفاظ على كرامتهم ومكنونات عالمهم الداخلي.  

وخلال التجول بين غرف المتحف شبه المظلمة وذات جدران طوب الأحمر التي تفقدها "العربي الجديد"، يدخل الزوار في أجواء المعتقلات الستالينية، إذ تضم وثائق تاريخية مختلفة ومراسلات لمعتقلين ومذكرات كتبوها عن تجاربهم، إضافة إلى مواد صوتية وبصرية تعرض لقضايا القمع وشهادات المعتقلين. كما تتضمن الغرف مقتنيات شخصية لمعتقلين وأدوات استخدموها في معسكرات العمل القسري، من أجل بناء معظم المشاريع الضخمة خلال الحقبة الستالينية، وحتى مدنا بالكامل.  
ويكشف المتحف عبر كتابات ورسوم وخرائط ممارسات القمع في عهد ستالين، والتي شملت في عامي 1937 و1938 وحدهما مليونا ونصف مليون شخص على الأقل، والذين أعدم أكثر من 680 ألفاً منهم رمياً بالرصاص. وغالبية المعتقلين كانوا مواطنين عاديين لم يشغلوا وظائف سياسية أو حكومية، علماً أن هذا الرقم لا يشمل أكثر من مليون شخص آخرين قضوا خلال 26 عاماً من وجود "غولاغ" بسبب الجوع والأمراض. 

الصورة
المتحف يدفع الزوار إلى التفكير في قيمة الحياة البشرية (العربي الجديد)
المتحف يدفع الزوار إلى التفكير في قيمة الحياة البشرية (العربي الجديد)

   
"إرهاب الدولة"
طوال الحقبة الستالينية ظل "إرهاب الدولة" أحد الأساليب الرئيسة للإدارة السياسية، فيما أجريت أكبر عملية ضد "العناصر المعادية للسوفييت" بموجب أمر حمل الرقم 447 وصدر في 30 يوليو/ تموز 1937، والذي حدد لكل مقاطعة وجمهورية "الواجبات" المتعلقة بعدد المراد إعدامهم أو اعتقالهم.
وأعطى هذا الأمر تعليمات للمسؤولين المحليين لتصعيد القمع، وسمح لهم بمطالبة موسكو بـ "حصص إضافية" للاعتقالات والإعدامات، والتي اعتادت موسكو على الموافقة عليها.  
ويعرض المتحف أيضاً صوراً ومعلومات حول حياة شخصيات بارزة تعرضت للقمع والاعتقال، بينها ألكسندرا تولستايا (ابنة الكاتب الروسي الشهير ليف تولستوي) التي اتهمت عام 1920 بتنفيذ نشاطات معادية للثورة (ثورة البلاشفة)، وسجنت في أحد المعسكرات.   
وبين الشخصيات العلمية والثقافية البارزة التي اعتقلت، العالم والمصمم سيرغي كوروليوف، الذي كان أشرف على عملية إطلاق أول قمر صناعي وتنفيذ أول رحلة مأهولة إلى الفضاء، وكذلك مصمم الطائرات أندريه توبوليف، والشاعر نيقولاي غوميليوف وغيرهم.  

الصورة
متحف تاريخ غولاغ وسط موسكو (العربي الجديد)
متحف تاريخ غولاغ وسط موسكو (العربي الجديد)

ومن أشهر قضايا القمع الستاليني وملاحقة "أعداء الشعب"، ما عرف تاريخياً باسم "قضية الأطباء" التي طاولت مجموعة من كبار الأطباء في الاتحاد السوفييتي أتهموا بالتآمر لقتل زعماء سوفييت.  
ولم يفرج عن معتقلين كثيرين، أو يردّ الاعتبار لهم، إلا بعد وفاة ستالين عام 1953 وحلول نيكيتا خروتشوف بدلاً منه.
ودخل المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي عام 1956، وهو الأول الذي نظم بعد وفاة ستالين، التاريخ، بعدما قدم خروتشوف خلاله تقريراً ندد فيه بعبادة الفرد ونتائجها، وجرائم ستالين وديكتاتوريته.   

وطوى ذلك أبشع صفحات تاريخ الاتحاد السوفييتي، لكن تعبير "عام 1937" لا يزال يرافق حتى اليوم ذاكرة الروس الذين لا يمكن أن ينسوا عمليات القمع والظلم الذي لحق بأبرياء. ودفع ذلك القائمين على متحف تاريخ غولاغ إلى وضع أوراق بيضاء في الصالة الأخيرة حتى يكتب الزوار عليها ما يجب فعله لتفادي تكرار فاجعة مماثلة.  

المساهمون