إرث سوفييتي... سجال حول قصر الثقافة والعلوم في وارسو

إرث سوفييتي... سجال حول قصر الثقافة والعلوم في وارسو

06 يوليو 2021
نزهة خارج القصر (عمر ماركس/ Getty)
+ الخط -

 

يستمرّ السجال بين البولنديين حول وجود قصر الثقافة والعلوم في العاصمة وارسو، كمعلم تاريخي ضمن الإرث السوفييتي. ويطالب البعض بإزالته للتخلص من آثار الشيوعية في البلاد، فيما يتمسك آخرون به لأهميته التاريخية.

بعد مرور أكثر من 65 عاماً على بنائه، ما زال برج قصر العلوم والثقافة في وارسو، أحد أهم المعالم التاريخية في بولندا، من دون أن يمنع ذلك استمرار السجال المتجدد حوله وسط دعوات القوميين البولنديين لإزالته بهدف التخلص من إرث حقبة الشيوعية وطيّ صفحة الخضوع لروسيا السوفييتية بلا رجعة، في مقابل معارضة آخرين.

ويبلغ ارتفاع البرج الذي أنشأه السوفييت تحت إشراف المهندس المعماري ليف رودنيف، 237 متراً. ويبقى المبنى الأكثر ارتفاعاً في وارسو إلى حين استكمال أعمال بناء ناطحة السحاب "وارسو تاور" التي يبلغ ارتفاعها 310 أمتار، خلال العام المقبل، والتي ستصبح أعلى مبنى على مستوى الاتحاد الأوروبي.

ويمكن لأيّ زائر لوسط وارسو رؤية كثرة المباني الزجاجية الحديثة المرتفعة والمقامة في محيط القصر في مسعى إلى تهميشه. مع ذلك، لا يفوت السياح الوافدون إلى وارسو فرصة الصعود إلى الساحة الكائنة بالطابق الـ30 في البرج، والاستمتاع بمشهد بانورامي للمدينة، بعيداً عن أيّ هواجس سياسية.

الصورة
يمكن الاستمتاع ببانوراما وراسو من البرج (العربي الجديد)
يمكن الاستمتاع ببانوراما وراسو من البرج (العربي الجديد)

ولمّا كان الأسلوب المعماري للمبنى مستوحى من الأبراج الستالينية الشهيرة في موسكو والمشتقة تسميتها من اسم الدكتاتور السوفييتي الراحل، جوزيف ستالين، وفي ظلّ الفتور السائد في العلاقات بين روسيا وبولندا، أحدث قصر العلوم والثقافة انقساماً بين البولنديين الذين يدعو قسم منهم لإزالته باعتباره رمزاً للشيوعية، فيما يناشد آخرون بحماية هذا البرج التاريخي العريق.

عدم الإجماع هذا يؤكده الباحث في مركز الدراسات الأوروبية في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ستانيسلاف كوفالدين، شأنه في ذلك شأن انقسام الروس بشأن مستقبل ضريح زعيم ثورة البلاشفة، فلاديمير لينين، في الساحة الحمراء وسط موسكو، والذي يظهر جسده المحنط. يقول كوفالدين لـ"العربي الجديد": "ينظر أصحاب التوجهات المحافظة والقومية إلى القصر على أنّه هدية سوفييتية ورمز لهيمنة الاتحاد السوفييتي ووقوع بولندا تحت نفوذه المباشر، في فترة حلف وارسو.

لكن في المقابل، هذا رمز من رموز وارسو، إذ اعتاده سكانها أنفسهم، ويضم دور عرض سينمائية ومقاهي يقصدها الجمهور من أصحاب التوجهات اليسارية الذين لا يرون فيه رمزاً للحقبة الستالينية فقط على الرغم من أنّهم، وعلى العكس من اليساريين الروس، لا يحنّون كثيراً إلى الفترة الشيوعية. بذلك، لم يعد مصير القصر موضع جدال بين المتعاطفين مع الاتحاد السوفييتي السابق وخصومه فقط، وإنّما تحول إلى سجال داخلي بولندي". 

مع ذلك، يقلل كوفالدين من واقعية إقدام بولندا على إزالة قصر العلوم والثقافة، مضيفاً: "على عكس المبنى الصغير لضريح لينين، فإنّ من الصعب إزالة مبنى بضخامة قصر العلوم والثقافة حتى من وجهة النظر المادية والاقتصادية البحتة، كونه يضم عدداً كبيراً من المنشآت الترفيهية والتعليمية، وهو رمز سياحي لوارسو يوضع على البطاقات البريدية". كما يشير إلى الكلفة المالية الباهظة لإزالته، إذ تشير تقديرات إلى أنّها تعادل تكاليف بناء خط كامل لمترو الأنفاق. لذلك "عملت السلطات البولندية على تهميشه من خلال بناء ناطحات سحاب حوله، في وقت يتجدد السجال حول مصير القصر بين الحين والآخر من دون البت في الأمر".

الصورة
يقع قصر الثقافة والعلوم في قلب وارسو (العربي الجديد)
يقع قصر الثقافة والعلوم في قلب وارسو (العربي الجديد)

يعزو كوفالدين حساسية البولنديين من جروح الماضي إلى تعرض بلادهم لاحتلالات متكررة على مدى التاريخ، قائلاً: "دخلت بولندا نهاية القرن الـ18 الميلادي في مرحلة اللادولة، حين أعلنت الإمبراطوريات المجاورة الروسية والنمساوية والبروسية، تقسيم الأراضي البولندية في ما بينها، ويعد هذا جرحاً نازفاً في الذاكرة التاريخية للبولنديين". ونتيجة لهذا التقسيم، غابت بولندا منذ عام 1795 عن خريطة العالم لمدة 123 عاماً إلى حين انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وما ترتب على ذلك من تغييرات جذرية في الخريطة الجيوسياسية الأوروبية. إلا أنّ هجوم ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر في سبتمبر/ أيلول 1939، أدى إلى إزالة بولندا عن الخريطة السياسية مرة أخرى خلال أقل من شهر، قبل أن تعود إليها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، لكن مع وقوعها ضمن منطقة النفوذ السوفييتي واعتمادها الأيديولوجيا الشيوعية والتبعية الكاملة لموسكو.

واستمر هذا الوضع إلى حين تولي آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، زمام السلطة واعتماده برنامج الإصلاحات "بيريسترويكا" وتخليه عن دعم الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، الأمر الذي أدى إلى انهيارها واحدة تلو الأخرى في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. ومهد سقوط الحكم الشيوعي لخروج بولندا من دائرة نفوذ موسكو، وتحقيق طفرة اقتصادية وتنموية، وصولاً إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004.

المساهمون