ليبيا: عصابات نسائية تفاقم الانفلات الأمني

ليبيا: عصابات نسائية تفاقم الانفلات الأمني

05 يوليو 2023
أوقفت الشرطة أفراد شبكات إجرامية (عبد الله دومة/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد مناطق ليبيا في ظل الانفلات الأمني تحولاً في أشكال الجريمة، من بين أحدث مظاهرها التشكيلات العصابية النسائية التي تعد ظاهرة غريبة على مجتمع يعرف بأنه محافظ. وشهدت الفترة الأخيرة إعلان الأجهزة الأمنية تفكيك شبكات إجرامية مكونة من نساء، والقبض على أفرادها.
كان أحدث الوقائع ما أعلنه مركز شرطة بوعطني في مدينة بنغازي، في 20 يونيو/حزيران الماضي، حول ضبط تشكيل عصابي نسائي متخصص في سرقة الملابس من المحال التجارية. وأوضح المركز أنه تلقى شكاوى عدة من أصحاب محال تجارية حول تعرضهم للسرقة من قبل نساء مجهولات الهوية، قبل الإبلاغ عن سرقة عدد من النسوة لمحل تجاري كبير في طريق المطار، ليبدأ أفراد الشرطة في تتبع القضية. 
ووفق بيان لمديرية أمن بنغازي، فإن "أفراد الأمن تمكنوا بعد التحقيق ومتابعة القضية من التوصل إلى معلومات حول التشكيل العصابي، وحددوا هوية أعضائه، وهن ثلاث سيدات، قبل أن يعدوا كميناً محكماً لسيارة كانت تقل أفراد التشكيل، وتوقيفهن بينما كانت في حوزتهن كميات من الملابس المسروقة، وسلاح ناري".

وفي ذات الشهر، أعلن مكتب التحريات التابع لجهاز مكافحة التهريب والمخدرات في العاصمة طرابلس، القبض على أشخاص بتهمة ترويج المخدرات، وكان بحوزتهم 1500 حبة من الحبوب المهلوسة من نوع "لاريكا"، وكان من بينهم امرأتان.
ومن أبرز الوقائع المتعلقة بظاهرة العصابات النسائية، ما أعلنته مديرية أمن بنغازي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حول القبض على عصابة مكونة من مجموعة نساء، يمتهنّ النصب والاحتيال على أصحاب معارض السيارات عبر الشراء بصكوك مصرفية مزورة.
وأوضح بيان للمديرية أن العصابة النسائية التي قُبض على أفرادها يديرها شخص يقضي حكماً بالسجن على خلفية جرائم سابقة اقترفها، مشيرة إلى أن هذا السجين يتصل بأصحاب معارض السيارات عن طريق الإنترنت، ويقوم بإغرائهم عبر رفع سعر السيارة في مقابل الدفع بصك بنكي، ثم إرسال إحدى النساء لتسلم المركبة، وتسليم الصك المزور لصاحب المعرض.
وفي يونيو 2020، سرقت امرأة أكثر من مليون دينار ليبي، ومبالغ مالية أخرى بعملات أجنبية، من شقة في مدينة بنغازي، قبل أن تضرم فيها النيران لإخفاء الجريمة، لكن تمكنت الشرطة من الاستدلال عليها بواسطة شهادات من الجيران، فقُبض عليها، وأقرت بجريمتها، وبأنها اشترت بالمبالغ المسروقة عقارات، كما كلفت أشخاصاً بإدارة أموال أخرى سرقتها من شقق أخرى.
وتعتبر الناشطة الحقوقية، بدرية الحاسي، أن "الأنباء المتداولة بشأن جرائم النساء لا تشكل ظاهرة حتى الآن، فعدد الوقائع التي قُبض فيها على نساء معدودة بالنسبة لأرقام الجريمة في البلاد، والتي اتسعت خلال السنوات الأخيرة إلى مرحلة الجريمة المنظمة، خصوصاً في جرائم الاختطاف والابتزاز والمخدرات. تورط المرأة في الجرائم ليس جديداً حتى يمكننا تصنيفه بالظاهرة، فكل السجون فيها أقسام للنساء، ومنهن من تقضي حكماً مؤبداً، ومنهن من صدرت بحقهن أحكام إعدام بعد إدانتهن باقتراف جريمة القتل في حق أحد الأقارب، أو بدافع الثأر من ظلم أو تعد على حق من حقوقهن".

الصورة
تسعى الشرطة الليبية إلى ضبط الأمن (محمود تركية/فرانس برس)
تسعى الشرطة الليبية إلى ضبط الأمن (محمود تركية/فرانس برس)

وتوضح الحاسي، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن "مجالات الجريمة التي يُقبض فيها على النساء لا تصنف بين الجرائم التي تطاول آثارها الجنايات، والوازع الاجتماعي والأعراف كافية لردع النسوة بعد الإعلان عن تورطهن في جرائم، فضلاً عن سهولة إقناعهن بالتوقف عن تلك الجرائم في مراكز الإصلاح والتأهيل".
في المقابل، يلفت أستاذ علم الجريمة، أبو بكر الكوشلي، إلى أن "وصف تلك المجموعات الإجرامية بأنها تشكيلات عصابية عبر أجهزة الأمن، يجعل الأمر تصنيفاً رسمياً، بغض النظر عن نوع الجريمة، سواء كانت سرقة ملابس أو سيارات أو قتلا أو ابتزازا، فالجريمة تظل جريمة، والظاهرة تعكس واقع الانفلات الأمني الذي تعاني منه البلاد".
يضيف الكوشلي لـ"العربي الجديد": "الظاهرة تؤشر على تغيرات في بنية المجتمع الليبي الذي يحتفظ للمرأة بحصانة وحرمة خاصة، واذا ما وقعت المرأة في تجاوز قد ترحل الأسرة بكاملها وتترك محيطها إلى محيط جديد تخفي فيه العار المجتمعي، لكن التفكك الحاصل في الأنسجة الاجتماعية في العقود الأخيرة قلل من قوة هذه الروادع الاجتماعية، وتراجع معه حجم السيطرة الأبوية".

ويلفت الأكاديمي الليبي إلى أن" قانون حماية المرأة الذي لا تزال السلطات التشريعية تماطل في إصداره، سبب إضافي في التهاوي المستمر لأوضاع المرأة، فالحماية تقتضي تمييز الشاذ في سلوكه وممارسته عن القاعدة، ما يساعد على دراسة السلوكيات الإجرامية لدى النساء اللاتي في الحقيقة لا تشكل المجرمات منهن نسبة كبيرة في المجتمع".

المساهمون