ليبيا تخشى تدفق المهاجرين من النيجر

ليبيا تخشى تدفق المهاجرين من النيجر

25 اغسطس 2023
مهاجرون ينتظرون عبور الحدود الليبية (غاي بيترسون/ Getty)
+ الخط -

تتّجه أنظار الليبيين هذه الأيام جنوباً عما ستسفر عنه الأحداث في النيجر، التي تعتبر إحدى الدول الست المحاذية لليبيا. ويرتبط البلدان بـ 342 كيلومتراً من الحدود البرية جنوباً، وتعدّ النيجر من أكبر الدول "المصدرة" للمهاجرين السريين.
وليس عبور المهاجرين عبر الحدود الليبية الجنوبية جديداً. فمنذ تأسيس الاتحاد الأفريقي عام 1999، فتحت الحدود تعبيراً عن الوحدة الأفريقية، ما سمح ببدء تدفق المهاجرين منذ ذلك الوقت، من بينهم النيجريون. وعادة ما يقصد الأفارقة ليبيا إما بقصد الهجرة إلى أوروبا أو العمل فيها. ويختار آخرون العمل لادخار المال بهدف الهجرة التي "يصر عليها البعض لدرجة معاودة الكرة حتى بعد الإمساك بهم من قبل حرس السواحل الليبي"، كما يؤكد المهدي ساباط، أحد أصحاب المزارع في واحة الجفرة. وحاول أحد العاملين في مزرعته من النيجريين الهجرة إلى أوروبا ثلاث مرات "لكن أخباره غابت بعدها. ربما نجح بعدما أنفق أموالاً طائلة".  
ويقول أستاذ علم اجتماع السكان عبد الله شقرون إن توافد المهاجرين إلى ليبيا "أمر طبيعي ومتوقع في ظل الظروف المحيطة"، مشيراً إلى أن توفر عوامل "الحدود المفتوحة، والفوضى الأمنية والسياسية، وفرص عمل دونما ضرائب، وبلاد مرحبة، وساحل طويل يطل على أوروبا من الضفة الأخرى، وكلها تشجع على الهجرة إلى ليبيا".
ويلفت شقرون إلى عوامل أخرى، منها الامتدادات القبلية بين النيجر وليبيا التي تجعل البعض في ليبيا يعتقد أنه من الطبيعي، بل من الواجب أن يستضيف من تربطه به صلات دم في دولة أخرى، وهذه الامتدادات القبلية أمر صحيح، فرئيس النيجر محمد بازوم نفسه من أصول ليبية، لكن لذلك تداعيات حتى على المدى الطويل. فما نسمعه من وجود مصاهرات وزيجات أنتجت أولاداً ولدوا في ليبيا يحق لهم وفق القانون الحصول على الجنسية الليبية".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

يضيف شقرون أن "الاستشراف المبني على حقائق الواقع يشير إلى أن تأزم الأوضاع في النيجر سيجعل ليبيا الوجهة الأولى للهاربين من نيران الحرب، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل سيتصاعد بسبب عدم قدرة المؤسسات الليبية المنقسمة على إيجاد حلول في حال تطور الموقف في النيجر. وأتوقع تغيرات في النسيج الاجتماعي والديموغرافيا الليبية أكثر مما يحدث الآن في كل مدن الجنوب، حتى عاصمته سبها".
من جهته، يؤكد أحد أعيان الجنوب الليبي موسى إمنان، وجود مخاوف من زيادة موجات الهجرة من النيجر في حال اندلعت الحرب فيها، معتبراً أن "غياب الدولة عن الجنوب الليبي يزيد من حجم المخاوف. فقد سمعنا تصريحات مسؤولين لمنع تدفق المهاجرين من السودان، لكنهم وصلوا بأعداد كبيرة".

تخشى ليبيا ارتفاع أعداد المهاجرين غير القانونيين (محمود تركية/ فرانس برس)
تستقطب ليبيا المهاجرين الأفارقة (محمود تركية/ فرانس برس)

يضيف أن "هجرة سكان الجنوب إلى مناطق الشمال، وخصوصاً طرابلس، لها مبرراتها، منها غياب الخدمات والفوضى الأمنية. لكن في ذات الوقت، فإن الفراغ الذي تركه سكان الجنوب وراءهم شكل فضاء وفرصة ليشغله المهاجرون، مع العلم أن القادمين من النيجر هم الأكثرية، ووجودهم منذ سنوات في الجنوب سيجعل لحاق أسرهم وأبناء عمومتهم بهم أكثر سهولة". 
يتابع شقرون: "ربما يكون هناك وجه إيجابي يتعلق بنشاط المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. إذ أشار بيانها الناتج عن اجتماعها السابق اعتماد الدبلوماسية أولاً كعلاج لأزمة النيجر، ما يبعث بعض الطمأنينة لدى الليبيين، والأكثر طمأنة أن البيان صدر عن مجموعة ذات صبغة اقتصادية قد تفكر لاحقاً في إحلال مشاريع للتنمية في النيجر وغيرها من دول المصدر للمهاجرين، ما يخفض من معدلات الهجرة، والأهم أنه يبعث مؤشرات لطمأنة النيجريين في بلادهم لتتراجع معها دوافع الهجرة".

وكان الموقف الليبيي الرسمي واضحاً من أزمة النيجر. فمنذ نهاية يوليو/ تموز الماضي، أكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في بيان خاص، وقوف ليبيا مع الشرعية الدستورية في الجارة النيجر، معرباً عن قلقه مما تتعرض له الشرعية هناك وحصار الرئيس المنتخب محمد بازوم. من جهته، أعرب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، عن قلقه من الأحداث في النيجر، لافتاً إلى أن التحركات العسكرية هناك تشكل "مصدر قلق" للدول المجاورة. ودعا عبر منصة "إكس" إلى "وضع حد فوري للتحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة والمجتمع الدولي ككل".
وخلافاً لموقف العاصمة الليبية، لم يبد اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أي رأي أو موقف إزاء ما يحدث في النيجر، على الرغم من سيطرة قواته على الحدود الجنوبية الليبية، ومن ضمنها حدود النيجر، وهو موقف يعزز مخاوف إمنان، الذي يرى أن المصالح السياسية قد تدفع إلى "تغاضي من يسيطر على الجنوب عن المنافذ الرئيسية، ليصبح تدفق المهاجرين أمراً واقعاً". 

المساهمون