كورونا مخيمات إدلب... نازحون يواجهون الوباء بأضعف الإمكانات

كورونا مخيمات إدلب... نازحون يواجهون الوباء بأضعف الإمكانات

20 نوفمبر 2020
مساعدات وقائية من المنظمة (أطباء بلا حدود)
+ الخط -

مع تزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا الجديد، في محافظة إدلب، في شمال غرب سورية، منذ يوليو/ تموز الماضي، فرضت السلطات المحلية في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة تدابير لمواجهة الوباء، شملت إغلاقاً جزئياً بدءاً من السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري للمساعدة في إبطاء انتقال العدوى.  
أما في مخيمات النازحين، فيتعيّن على الناس التكيف مع الوضع الجديد، بالرغم من أنّهم ما زالوا يواجهون أزمة اقتصادية، فيما لم يتوقف القتال بعد. "مع تفشي فيروس كورونا الجديد، أعرف حق المعرفة أنّ مغادرة المنزل تنطوي على مخاطر، لكن ليس بيدي حيلة". بهذه الكلمات يصف واقع الحال النازح كمال عدوان، البالغ من العمر 25 عاماً، والمقيم في مخيم في إدلب. يتابع: "بقدر ما يبعث الفيروس على الخوف، يتوجّب عليّ أيضاً تأمين قوت أسرتي". بالنسبة إلى كمال، المعيل الوحيد لأسرة مكوّنة من 15 فرداً، فإنّ التداعيات الاقتصادية للجائحة تُهدِّد الحياة أكثر من الجائحة نفسها. فقبل تفشيها والقيود المفروضة لمواجهتها، اعتاد كمال أن يعمل في مواقع البناء كلما سنحت له الفرصة. وعلى الرغم من أنّ عمله لم يتّسم يوماً بالاستقرار، فإنّه كان يبذل قصارى جهده لإعالة أسرته. يعيش كمال اليوم مع والديه و12 فرداً آخرين من أسرته في خيمتين متجاورتين في مخيم أبو دالي. فرّوا جميعهم من بلدتهم في ريف حماة في فبراير/ شباط 2019 بسبب القصف العنيف آنذاك.

في شمال غرب سورية، وصل مجموع الإصابات بالفيروس إلى 7059 بحلول الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في حين سجّل الثالث من نوفمبر وحده 524 إصابة، ليكون أعلى عدد إصابات في يوم واحد حتى الآن. وتُجري ثلاثة مختبرات حالياً الفحوص في المنطقة، بمجموع أقل من 1000 فحصٍ يومياً في الغالب. 

كوفيد-19
التحديثات الحية

يقول كمال: "عندما سمعنا أول مرة عن فيروس كورونا الجديد، اعتقدنا أنّه مجرد شائعة، أو أنّه مجرد إنفلونزا موسمية عادية. أنا على يقين الآن أنّ هذا الفيروس ليس مزحة، وبات يؤثّر تأثيراً مباشراً عليّ". يعيش كثيرون من بين الـ16 ألف نازحٍ في مخيم أبو دالي مع أفراد أسرهم في جو من الاكتظاظ داخل خيام تصل مساحتها أحياناً إلى ستة أمتار مربعة فقط. وتوفر منظّمة "أطباء بلا حدود" في المخيم خدمات الرعاية الصحية، إذ تعمل فرقها في عدد من مخيمات النازحين بإدلب. ونزح على مرّ السنين أكثر من مليونَي شخص من بلداتهم ويقطنون الآن في محافظة إدلب، لا سيما في أريافها. وفي المخيمات المكتظة بالسكان، تكون احتمالات انتقال فيروس كورونا أعلى عادةً، كما أنّ تنفيذ العزل الذاتي صعب للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، بل إنّ غسل اليدين بانتظام يعتبر من التحديات الأساسية أيضاً، إذ يعتمد كثير من الناس على المياه التي يتم جمعها من الخزانات المشتركة، مع ما في ذلك من احتمالات تلوث، إذا ما توفرت المياه أساساً. وفي هذا السياق، يعلق كمال: "همّي الأساسي هو الابتعاد قدر الإمكان عن أيّ إصابة مُشتبه فيها بكورونا. المخيم مكتظ والاختباء من الفيروس بمثابة تحدٍ حقيقي".

أطباء بلا حدود في مخيمات إدلب2

 

في دورها، تخوض أم فراس البالغة من العمر 39 عاماً الصعوبات نفسها، علماً أنّها معيلة أسرتها الوحيدة في الوقت الحاضر، فقد أصيب زوجها بجروح بالغة خلال غارة جوية استهدفت منزلهما منذ أكثر من عام، فتركته الغارة التي شنها أحد طرفين هما النظام السوري أو حليفته روسيا، بإعاقة حركية شديدة، غير قادرٍ على العمل. طوال الأشهر الماضية قبل الجائحة، كانت أم فراس تعيل زوجها وأطفالها التسعة بترميم خيام النازحين الآخرين في المخيم، كما تصلح الفرش والشراشف (الأغطية الخفيفة) لمن يحتاجون إليها. أما الآن، فعليها أن تختار بين حاجة الأسرة للدخل ومخاطر الخروج إلى العمل. تقول تعليقاً على ذلك: "امتنعت عن الخروج من خيمتي لحماية نفسي وعائلتي، غير أنّني في بعض الأحيان أجد نفسي مضطرة للبحث عن عمل. يلازمني الخوف من الإصابة بالفيروس ونقله إلى أطفالي، لكن ماذا عساي أفعل؟". 

أطباء بلا حدود في مخيمات إدلب3

 

ومن بين أطفالها التسعة، ثلاث بنات فقط ذهبن إلى المدرسة. وحاولت المدارس في المحافظة اتخاذ الإجراءات اللازمة للحدّ من مخاطر انتقال العدوى. وطُلب من التلاميذ الالتزام بالكمامات التي تباع في الصيدليات المحلية مقابل ليرة تركية واحدة (0.13 دولار أميركي)، لكن، حتى هذا المبلغ الضئيل في أماكن أخرى، بعيد جداً عن متناول كثير من الأهالي. تقول أم فراس: "طلبت المعلمة من بناتي الالتزام بالكمامة، فماذا يمكن أن يقلن لمعلمتهن؟". وتتابع: "لم أشترِ كمامة قط، فبالكاد أستطيع شراء الخبز. فعندما يتوفر لي المال، أختار شراء الخبز دوماً". وبينما توقف بعض أولياء الأمور عن إرسال أطفالهم إلى المدارس نتيجةً لذلك، حاول بعض المعلمين إيجاد حلول بديلة، مثل إعطاء نصيحة للتلاميذ باستخدام قطع القماش القديمة لتغطية وجوههم. 
الإقفال المعلن عنه يشمل جميع الأماكن التي تتجمع فيها الحشود مثل الأسواق العامة والجامعات والمدارس. وتبقى متاجر البقالة المحلية الصغيرة والصيدليات والعيادات مفتوحة في شمال غرب سورية. وبدورها، تواجه أم أحمد البالغة من العمر 40 عاماً صعوبة كبيرة في التعامل مع تفشي المرض والظروف المعيشية الجديدة التي فرضها. تنحدر أم أحمد من قلعة المضيق في ريف حماة، وقد فرّت مع زوجها وأطفالها السبعة في عام 2012، ملتمسين الملاذ في بلدة قاح بريف إدلب لمدة عامين. وفي عام 2014، انتقلوا من قاح إلى دير حسان في حارم، بريف إدلب أيضاً، حيث يعيشون منذ ذلك الحين. يتشارك هؤلاء الأفراد التسعة خيمة مؤلفة من غرفة واحدة فقط، من بينهم زوجها وهو طريح الفراش ولا يمكنه العمل. اعتادت أم أحمد - المعيلة الوحيدة للأسرة - أن تعمل عاملة نظافة في أحد مستشفيات منطقة الدانا في إدلب، لكنّها اضطرت للتوقف عن العمل بسبب فشل كلوي عانت منه قبل بضعة أشهر. يستضيف المخيم حيث تعيش أم أحمد أكثر من 50 عائلة. وهو يضمّ خزان مياه واحداً وثلاثة مراحيض تتشاركها جميع العائلات. 

أطباء بلا حدود في مخيمات إدلب4
(الصور من أطباء بلا حدود)

تعلق: "من المستحيل غسل الأيدي بانتظام في المخيم من دون أن نعرّض أنفسنا للخطر". ومع تردّي وضعها الاقتصادي، بات من العسير على أم أحمد شراء المنظفات والصابون لحماية نفسها وعائلتها من كورونا، لكنها حصلت مؤخراً على مجموعة من لوازم النظافة الصحية تشمل الصابون والمنظفات ودلاء الماء، وهي مجموعات توزعها منظمة "أطباء بلا حدود" على العائلات النازحة في إدلب منذ إبريل/ نيسان الماضي، بهدف الوقاية من الفيروس. 
تضيف قائلةً: "ثمة أمور يمكننا القيام بها لتجنب الإصابة بالفيروس. على سبيل المثال، توقفت عن الخروج بقدر استطاعتي، وأتجنّب الحضور مع أشخاص آخرين، لكنّ أطفالي صغار وفي حاجة إلى اللعب وخيمتنا ضيّقة، وبالتالي لا يمكنني منعهم من اللعب في الخارج مع الأطفال الآخرين. كيف عساي أفعل ذلك؟".

كوفيد-19
التحديثات الحية

في الآونة الأخيرة، أضحت الحياة أكثر كلفة، ويبحث الناس عن كلّ الطرق الممكنة لمواصلة العيش. وتأكيداً على ذلك، يقول العامل اللوجستي مع منظّمة "أطباء بلا حدود" حسن: "أغلقت الأسواق والمساجد والمدارس أبوابها لبضعة أيام في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكنّها عادت وفتحت مرة أخرى بعد فترة وجيزة. يعتمد كثيرون على الأسواق لكسب لقمة العيش، لذلك لا يمكنهم تحمل عواقب ترك العمل لفترة طويلة". وبعد سنوات من النزاع، يواجه نظام الرعاية الصحية في محافظة إدلب تحديات عدة في التعامل مع تفشي كورونا، إذ لا يتوفر سوى تسعة مستشفيات مخصصة لكورونا لخدمة سكان يبلغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة، بالإضافة إلى 36 مركزاً للعزل والعلاج تقدم الرعاية الأساسية للمرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة. 
يتابع حسن: "أصبحت محافظة إدلب كسجن ضخم؛ يتعذّر على الناس التحرك جنوباً أو شمالاً. إنّهم عالقون في المنتصف. يؤمنون أنّ الفيروس سيصل إليهم وإلى أسرهم في مرحلة ما. يأملون فقط ألا تصل إليهم العدوى جميعاً في الوقت نفسه، بما أنّه يستحيل على نظام الرعاية الصحية التعامل مع أعداد كبيرة من المصابين في الآن نفسه". 

المساهمون