سجلت مخيمات النازحين الأيزيديين في العراق وقائع انتحار عدة في فترات متقاربة، ما سلط الضوء بقوة على قضية النزوح التي لم تُحلّ بعد، ويعتبرها كثيرون السبب الكامن خلف الانتحار، لما في المخيمات من ظروف سيئة
أثارت وقائع الانتحار المتزايدة بين النازحين العراقيين، من الأيزيديين تحديداً، ممن ما زالوا في المخيمات التي تعاني من انعدام أبسط مقومات الحياة، قلق مسؤولين محليين ومنظمات معنية بحقوق الإنسان حمّلت الحكومة العراقية مسؤولية ذلك، مطالبة إياها بإيجاد حلّ لملف النزوح الذي تتفاقم آثاره السلبية.
وأهملت الحكومات المتعاقبة ملف النازحين، الذي ما زال شائكاً، بسبب تدخلات سياسية فيه، إذ تعرقل مليشيات مسلحة عودة قسم كبير منهم إلى مناطقهم التي خضعت لسيطرة تلك المليشيات بعد تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ووفقاً لمسؤول محلي، في دهوك، بإقليم كردستان العراقي، فإنّه "جرى تسجيل 9 وقائع انتحار في مخيمات يقطنها نازحون أيزيديون، خلال فترة شهرين فقط". يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا الرقم يؤشر إلى تفاقم معاناة النازحين المعيشية وانعكاساتها النفسية داخل تلك المخيمات، التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة الكريمة". يوضح أنّ "أربع وقائع انتحار من بين التسع تعود لإناث. أما الطريقة الغالبة فهي الانتحار شنقاً داخل الخيام". ويؤكد المسؤول أنّ "اللجوء إلى الانتحار يعود إلى عوامل نفسية مرتبطة بحالة اليأس التي وصل إليها النازحون، إذ فقدوا الأمل في العودة إلى ديارهم بسبب التجاهل الحكومي، كما سئموا الحياة داخل الخيام بعد نحو خمس سنوات من النزوح، يقابلها عدم توفر فرص عمل، وحياة كريمة". ويحمّل المسؤول المحلي الحكومة العراقية "مسؤولية عدم وضع حلول لهذا الملف، إذ إنّ التجاهل المستمر سيتسبب بتسجيل وقائع انتحار جديدة، ولا سيما أنّ النازحين لا يرون أيّ خطوات تبعث على الأمل".
قائم مقام قضاء سنجار، موطن الأيزيديين الأساسي، في محافظة نينوى، محما خليل، يؤكد "ازدياد وقائع الانتحار بين صفوف الشباب في سنجار ودهوك (كردستان، حيث مخيمات النازحين الأيزيديين الأبرز). فخلال شهر واحد جرى تسجيل أربع وقائع انتحار، لثلاثة شبان وفتاة واحدة". يؤكد أنّ "هذه الأرقام خطيرة، وتحتاج إلى الوقوف عند أسبابها، لإيجاد الحلول والمعالجات لها"، مشيراً إلى أنّ "نزوح الأهالي من الأيزيديين، والوضع الذي تمر به المنطقة حالياً، وما يعانيه الشباب من البطالة وعدم توفر فرص العمل اللائق، واليأس من إيجاد الحلول، تسبب بتفاقم معاناتهم، وكان سبباً وراء وقائع الانتحار تلك".
النائب عن المكون الأيزيدي، صائب خدر، يحمّل الحكومات المحلية والحكومة المركزية، مسؤولية تلك الوقائع، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك بعداً نفسياً وانعكاسات وضغوطاً يتعرض لها النازحون نتيجة المعاناة المستمرة، التي لا يمكن للإنسان أن يتحملها، الأمر الذي زاد من الانتحار". ويشدد: "يجب على الحكومة ولجان حقوق الإنسان أن تعمل على تخفيف تلك المعاناة، وأن تأخذ دورها إزاء ذلك"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة عاجزة عن حلّ المشاكل الأساسية، ومشكلة سنجار وإدارتها والأمن والنازحين تحتاج إلى تحرك حكومي، إذ يجب أن تفرض الحكومة سلطة القانون وتفصل الملفات عن بعضها، وتعمل على حلّ ملف النزوح".
ازدياد وقائع الانتحار أثار قلق مفوضية حقوق الإنسان العراقية، التي عبرت عن خشيتها من فقدان الحلول في هذا الملف. وقال عضو المفوضية، فاضل الغراوي: "جرى توثيق ثلاث حالات انتحار في شهر واحد فقط، داخل مخيمات النزوح في دهوك وجبل سنجار"، مؤكداً في بيان صحافي أنّ "الحالات الثلاث هي لأبناء من المكون الأيزيدي ممن كانوا ضحايا العنف والاسترقاق، في حقبة داعش الإرهابية، وما زالوا يعانون من آثار نفسية عميقة بسبب تعرضهم لهذه الجرائم وفقدانهم لذويهم، طوال فترة تواجدهم في هذه المخيمات التي زادت من معاناتهم الإنسانية". وطالب الحكومة بـ"الإسراع بإعادة النازحين طوعاً، ودراسة الأسباب التي دعت إلى ارتفاع معدلات الانتحار في مخيمات النازحين، ووضع الحلول والمعالجات العاجلة لها". ودعا المنظمات الدولية والمحلية العاملة في المجال الصحي داخل المخيمات، إلى "تكثيف برامج التأهيل النفسي للنساء ضحايا العنف، خلال حقبة داعش الإرهابية، والإسراع في توفير مستلزمات العودة الطوعية، وإنهاء نزوح هذه الأسر، عبر استكمال إجراءات تأهيل قضاء سنجار، غربي نينوى".
الناشط الأيزيدي، منصور حاجي، يدعو المنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة إلى "التدخل لإيجاد حلول لأزمة النازحين ومعاناتهم، ومنهم الأيزيديون". يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "حالة الإحباط التي وصل إليها النازحون، تتحمل مسؤوليتها الحكومة والبرلمان، إذ إنّهما لم يتخذا أيّ خطوات عملية لإنهاء هذا الملف". ويقول: "لا نأمل أيّ حلول من قبل الحكومة والبرلمان، المعاناة تتفاقم يوماً بعد آخر داخل المخيمات، وحالة النازحين النفسية السيئة هي التي دفعت البعض إلى الانتحار، هرباً من بؤس الحياة التي يعيشونها".