كليّة أوروبا... مؤسسة تعليمية رائدة منفتحة على الطلاب العرب

كليّة أوروبا... مؤسسة تعليمية رائدة منفتحة على الطلاب العرب

16 مارس 2023
تعد كلية أوروبا مؤسسة تعليمية رائدة (العربي الجديد)
+ الخط -

في غابة خلابة على أطراف العاصمة البولندية وارسو، يقع فرع ناتولين لكلية أوروبا التي تعد مؤسسة رائدة في الدراسات الأوروبية في مرحلة الماجستير باللغتين الإنكليزية والفرنسية، وتفتح أمام خريجيها آفاقاً واسعة للعمل في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومجالات الدبلوماسية والمنظمات الدولية والإعلام والقطاع الخاص.  
ويقع الفرع الرئيسي لكلية أوروبا في مدينة بروج البلجيكية، ويوفّر برامج ماجستير مدتها عام في تخصصات ضيقة مثل الدراسات الاقتصادية الأوروبية والعلاقات الدولية والقانون الأوروبي، بينما يركز فرع وارسو الواقع في منطقة ناتولين، على الدراسات الأوروبية متعددة التخصصات وعلاقة الاتحاد الأوروبي بالدول المجاورة شرقاً وجنوباً.  
وخلال السنوات الأخيرة، باتت كلية أوروبا، لا سيما فرع ناتولين، أكثر انفتاحاً على استقبال أعداد متزايدة من الطلاب القادمين من الدول العربية، ولا تشكل تكاليف الدراسة الباهظة التي تفوق 25 ألف يورو شاملة الإقامة والوجبات، عائقاً أمامهم في ظل توفر منح دراسية كاملة في إطار برنامج سياسة الجوار الأوروبية. 
وبحسب بيانات كلية أوروبا، فإن فرع ناتولين استقبل أكثر من 100 طالب عربي منذ عام 2011، غالبيتهم في منتصف العشرينيات من العمر، وخصوصاً من بلدان شمال أفريقيا مثل المغرب والجزائر وتونس ومصر. 

تجربة تعليمية فريدة 

أجمع طلاب عرب التحقوا بكلية أوروبا في ناتولين خلال العام الدراسي الحالي، ممن تحدثت إليهم "العربي الجديد"، على أن الدراسة في كلية أوروبا تشكل تجربة فريدة من نوعها لا تقتصر على الجانب الأكاديمي، بل يتعلم الطلاب القادمون من عشرات الدول خلالها من بعضهم البعض في ظل التنوع الثقافي واللغوي الذي تتميز به الكلية.  
الطالبة التونسية سيرين أولاد مرزوق، هي إحدى هؤلاء، وقد توجهت بعد دراستها اللغة الإنكليزية بالمعهد العالي للغات في تونس إلى ناتولين لتحقيق تطلعاتها للعمل في المشاريع التنموية الدولية بعد التخرج. وتقول لـ "العربي الجديد": "اخترت فرع ناتولين باعتباره مجمعاً لتعدد الثقافات، حيث يمكن مقابلة طلاب شباب يفكرون بالطريقة ذاتها من مختلف الدول والخلفيات. بالإضافة إلى ذلك، أتاحت التجربة الأكاديمية لي الفرصة لمقابلة خبراء ومحاضرين رفيعي المستوى، ما أثرى رؤيتي لطيف واسع من القضايا في مجالات الدبلوماسية والإعلام والسياسات العامة والبيئة والعلاقات الدولية، ناهيك عن اطلاعي على الأبعاد الخارجية والداخلية لشؤون الاتحاد الأوروبي وسياساته حيال الدول المجاورة جنوباً وشرقاً". 

الصورة
يقع مقر الكلية في منطقة ناتولين (العربي الجديد)
يقع مقر الكلية في منطقة ناتولين (العربي الجديد)

وبعد تخرجها، تتطلع مرزوق للعمل في مجال التنمية الدولية أو أحد المشاريع التنموية التابعة للاتحاد الأوروبي في إطار برامج تطوير الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.  
من جهتها، تقول لمياء عياش، وهي طالبة تونسية حصلت على درجة الماجستير في القانون الدولي العام قبل التحاقها بكلية أوروبا، في حديث لـ"العربي الجديد": "اخترت كلية أوروبا حتى أخوض تجربة لن تتكرر إلا مرة واحدة في العمر وتكوين صداقات مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم، وتعلم شؤون الاتحاد الأوروبي من مختلف المنظورات، ومقابلة خبراء وأكاديميين وقادة دوليين، تمهيداً لبدء مسيرة مهنية دولية". 
وبعد التخرج، تعتزم عياش الحصول على تدريب أو الالتحاق بالعمل في إحدى المؤسسات الأوروبية لتعميق معرفتها بالقارة العجوز وثقافتها، مبدية اهتماماً خاصاً بقضايا الابتكار والرقمنة والأمن السيبراني وخصوصية البيانات.  

أما الطالبة الجزائرية أماني همامي، التي سبق لها أن تخصصت في العلاقات الدولية، فتقول في حديث لـ "العربي الجديد": "اخترت ناتولين لمواصلة الدراسة في مرحلة الماجستير لأسباب عدة، وفي مقدمتها كون كلية أوروبا مؤسسة تعليمية مرموقة تعتمد معايير عالية للتعليم مع التركيز على الشؤون الأوروبية من منظور متعدد التخصصات، وهو أمر ملح اليوم على ضوء الأزمة الأوكرانية".  
وتشيد همامي بمستوى التدريس في ناتولين، مضيفة: "أساتذة كلية أوروبا خبراء يجمعون بين إلمام عميق بالشؤون الأوروبية ضمن تخصصاتهم وخبرة عملية، ناهيك عن فرصة التواصل بشكل يومي مع زملاء من مختلف الجنسيات". وبعد الانتهاء من الدراسة في ناتولين، تتطلع لمواصلة مسيرتها في مجال الإعلام، وتقود حالياً فريقاً إعلامياً طلابياً مدعوماً من إدارة الكلية، لاكتساب الخبرة اللازمة وتنمية مهاراتها. 

الصورة
غابة خلابة تحيط بالكلية (العربي الجديد)
غابة خلابة تحيط بالكلية (العربي الجديد)

مقاربة متعددة التخصصات 

يؤكد رئيس قسم الإعلام والفعاليات في فرع ناتولين لكلية أوروبا، ياكوب كوبيكا، على أهمية استقبال الطلاب العرب في الكلية لاطلاعهم على القضايا الأوروبية الرئيسية اليوم وإثراء التجربة التعليمية من خلال زيادة عدد الجنسيات المتمثلة في ناتولين، حيث يتعلم الطلاب من بعضهم البعض. 
ويقول كوبيكا في حديث لـ"العربي الجديد": "من بين مزايا فرع كلية أوروبا في ناتولين، موقعها في وسط أوروبا بالمفهوم الواسع، وقد تخصص منذ تأسيسه في قضايا توسع الاتحاد الأوروبي والتعاون مع الدول المجاورة في الشرق والجنوب. تهدف المقاربة متعددة التخصصات إلى تقديم رؤية شاملة لعملية التكامل الأوروبي للطلاب من بلدان داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه". 
ويعلق على انفتاح ناتولين على الطلاب من الدول العربية، قائلاً: "ندعو الطلاب العرب لاستكشاف القضايا الرئيسية في أوروبا اليوم مثل الهجرة والتحول الرقمي والطاقة ومكافحة التغير المناخي وتطور الإعلام ومشكلة التضليل الإعلامي، وتأثير هذه العوامل وغيرها على علاقات دولهم مع الاتحاد الأوروبي وسياساته حيال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".  
ويلفت إلى أن فلسفة ناتولين لا تقتصر على تدريس وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، بل تقتضي أيضا تقديم فهم عميق لرؤى الدول المجاورة للطلاب، مشدداً على أهمية وجود الطلاب العرب في الكلية في ظل تعلم الطلاب من بعضهم البعض، وليس أثناء المحاضرات فقط.  

وبحسب بيانات كلية أوروبا في ناتولين، فإن 40 في المائة من خريجيها من الطلاب العرب ممن تتوفر معلومات عنهم، يعملون في المنظمات غير الحكومية بمختلف أنواعها، و23 في المائة في المنظمات الدولية، و21 في المائة في القطاع الخاص، و8 في المائة في مجال الدبلوماسية ومؤسسات التعليم العالي.  
وتعد كلية أوروبا التي تأسس فرعها في بروج في عام 1949 بعد سنوات عدة على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أقدم وأعرق مؤسسة عليا متخصصة في مجال الدراسات الأوروبية، وكانت فكرة تأسيسها تكمن في جمع خريجي الجامعات من مختلف البلدان الأوروبية للدراسة والإقامة معا، تمهيداً لمواصلة المسيرة المهنية في مجال التعاون والتكامل الأوروبيين.  
ومع انفتاح الاتحاد الأوروبي على بلدان أوروبا الشرقية والوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط "الستار الحديدي"، تأسس في عام 1992 فرع ناتولين لكلية أوروبا في وارسو، ليستقبل حالياً نحو 130 طالباً من أكثر من 30 بلداً، مقدماً لهم رؤية واسعة لأوروبا وجوارها.  
وبعد استكمال انضمام غالبية بلدان أوروبا الوسطى إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، توجه فرع ناتولين لزيادة التركيز على علاقة الاتحاد الأوروبي مع جواره بتحدياتهما الداخلية والخارجية، مما فتح الباب على مصراعيه لاستقبال أعداد متزايدة من الطلاب العرب.  

المساهمون