كفاح الشمال السوري... مواجهة الزلزال بقطاع صحي منهك

كفاح الشمال السوري... مواجهة الزلزال بقطاع صحي منهك

25 فبراير 2023
في مستشفى بباب الهوى (عمر حج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

فاق حجم كارثة زلزال 6 فبراير/ شباط الجاري قدرات القطاع الطبي المنهك أصلاً في مناطق شمال غربي سورية، والذي كافح في السنوات الماضية للبقاء بالاعتماد على إمكانات محدودة وشحيحة، بعدما أهلكته عمليات قوات النظام السوري وجرائمه. 
يقول الطبيب محمد الصالح لـ"العربي الجديد": "حصلت كارثة الزلزال في ظل عدم توفر المواد الطبية الخاصة بمعالجة الإصابات والجروح وأمراض الكلى. ثم تأثرت مراكز غسيل الكلى تحديداً بزيادة عدد المرضى الذين عانوا من متلازمة الهرس في ظل ضعف الإمكانات ونقص الدعم عبر الحدود، وتحديد كميات المواد التي تدخل المنطقة". يضيف: "يتمثل الخطر الأكبر حالياً في احتمال تفشي الأوبئة، باعتبار أن الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية تشكل ظروفاً ملائمة لانتشارها، كما قد تزيد ظروف الشتاء فرص حصول أمراض تنفسية. وبين عوامل الخطر في مرحلة ما بعد الزلزال تغيّر التركيبات الجيولوجية للأراضي الذي قد يؤثر في صلاحية المياه الجوفية، ويجعلها غير صالحة للشرب، ويزيد الأمراض المنقولة عبر المياه وفي مقدمها الكوليرا التي ما زالت مناطق الشمال السوري تعالجها، علماً أن أعداد المرضى قد تزيد نتيجة ضعف القدرات الصحية لاستقبال الحالات من المستشفيات". ويوضح الطبيب إياد رعدون، المنسق الطبي في منظمة "يداً بيد" للإغاثة والتنمية، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "متلازمة الهرس تحصل نتيجة تعرض العضلات وأنسجة الجسم لهرس وضغط تحت الركام، فتتحرر مواد الهيموغلوبين السامة من العضلات، وتترسب في الكليتين ما يتسبب في إصابة الشخص بقصور كلوي. ويتم علاج المرضى عبر إخضاعهم لمتابعة طبية دقيقة وإجراء تحاليل وضمادات يومية وجلسات غسل كلى ضمن مراكز تفتقد في شمال غربي سورية إلى مواد طبية مثل ايبوتين وألبومين".

احتياجات أكبر من المخزون
إلى ذلك يكشف رعدون خسارة 25 من الكوادر الصحية خلال الزلزال في إدلب، ويقول لـ"العربي الجديد": "بدأت معظم المنظمات المحلية والدولية العاملة في شمال غربي سورية بتنفيذ خطط استجابة طارئة منذ الساعات الأولى لحصول الزلزال، لكن مخزونها نفذ في الأيام الأولى، ثم زاد الطين بلة عدم وجود استجابة دولية عبر الحدود خلال الأيام الخمسة الأولى لحصول الكارثة".
وبحسب رعدون تعاني المستشفيات الـ34 في شمال غربي سورية من نقص في المستلزمات الطبية والأدوية، وضعف إمكانات خدمات الإسعاف، وتلك الخاصة بغرف العناية المركزة والعمليات الجراحية بسبب كثرة عدد المصابين. ويقول: "تتطلب الكارثة تدخلاً دولياً عاجلاً إذ أن ترك منطقة شمال غربي سورية وحدها في المواجهة أمر غير إنساني، وما نحتاج إليه حالياً توفير مواد لإجراء عمليات جراحة العظام وأخرى عامة وتوفير إسعافات، وأخرى طبية متنوعة وأدوية. وحالياً يستخدم المخزون المتوفر من هذه المواد لدى المنظمات، والذي بدأ ينفذ أو ينقص في شكل كبير نتيجة الاستخدام الكبير وارتفاع عدد المصابين".

بالطاقة القصوى 
ويؤكد الدكتور محمد الشريف، وهو منسق طبي في منظمة "سورية للإغاثة والتنمية"، لـ"العربي الجديد" أن "المستشفيات تعمل بأضعاف طاقاتها البشرية والمادية منذ حدوث الزلزال، ما جعلها تُستنزف خلال الفترة الماضية وتحتاج بالتالي إلى إعادة ترميم وتدعيم أبنيتها وتجديد أجهزتها واستيراد كميات من المواد الطبية والأدوية، والأهم حالياً توفير مستلزمات مراكز غسيل الكلى والتخدير وأدوات جراحية، وتأمين أجهزة حديثة. أما الكوادر الطبية فتملك كفاءات مناسبة للتعامل مع الإصابات لكنها تواجه ضغطاً كبيراً جراء العدد الكبير من المصابين ونقص الإمكانات المادية. ويتم التعامل مع الإصابات المعقدة بالتعاون والتشاور مع وفود من الخارج وأطباء مغتربين يتمتعون بخبرات".

الصورة
زاد الزلزال انهاك القطاع الصحي في شمال غربي سورية (عارف وتاد/ فرانس برس)
زاد الزلزال انهاك القطاع الصحي في شمال غرب سورية (عارف وتاد/ فرانس برس)

مرحلة ما بعد الزلزال أصعب
ويتوقع الشريف أن تكون مرحلة ما بعد الزلزال أصعب على الصعيد الصحي "لأن تشرد آلاف في الظروف البيئية الحالية ينذر بانتشار أوبئة. ونحن لم ننته حتى الآن من علاج الإصابات، ونحتاج إلى التعامل مع حالات نفسية قد يحتاج علاجها إلى وقت طويل وبذل جهد كبير خاصة في ظل تكرار الهزات الارتدادية. ومن النقاط المهمة أيضاً تضرر القطاع الصحي وحاجته إلى إعادة تأهيل وترميم". 
يتابع: "تضافرت الجهود المحلية للاستجابة لإصابات الزلزال، وتشكلت فرق تطوعية للمساعدة في تقديم الإسعافات الأولية، ثم تبلور العمل في شكل أفضل وبدأت الوفود والمساعدات في الوصول، ما أثرّ في الخدمات الطبية، وجلب فوائد معنوية للكوادر الطبية التي شعرت بوقوف آخرين معها. ومن الضروري استمرار تشجيع تدفق الوفود الطبية من الخارج كي تتحمل جزءاً من الأعباء الملقاة على كاهل الكوادر الطبية في الداخل".

دعم دولي "خجول"
إلى ذلك يخبر الدكتور أحمد حاجي حسن، مدير الصحة في منطقة "غصن الزيتون" بعفرين "العربي الجديد" أن أربعة مستشفيات تعمل في مدينة عفرين، ومستشفى واحدا في جنديرس وآخر في راجو، وهذا عدد غير كافٍ، في حين من الضروري توفير مستشفى جراحي كبير يضم 150 سريراً على الأقل لتأمين الخدمات المطلوبة للمنطقة التي يسكنها نحو 700 ألف شخص. كما نحتاج إلى تحديث الأجهزة، علماً أن منطقة عفرين تحديداً مهمّشة ومظلومة طبياً بسبب الدعم الخجول".

الصورة
قدرات محدودة لعلاج الإصابات المعقدة (عارف وتاد/ فرانس برس)
قدرات محدودة لعلاج الإصابات المعقدة (عارف وتاد/ فرانس برس)

ويحدد الدكتور حسن الاحتياجات الضرورية الحالية بمواد علاج مرضى السرطان والقلب ومستلزمات غرفة العناية المشددة. ويشير إلى أنه "كان يسمح بدخول هؤلاء المرضى إلى تركيا لتلقي العلاج، وهو ما توقف بعد الزلزال لأن الولايات التركية منكوبة، فيما تدعم منظمة الصحة العالمية مراكز الرعاية الصحية الأولية بنسبة 10 في المائة من الأدوية و60 في المائة من احتياج الدعم المادي".
إلى ذلك، يؤكد الطبيب عبد الرحمن حاج بكر أن استنزاف القطاع الصحي مستمر، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "منظمة الصحة العالمية تقدم الدعم الذي يتوفر لدى منظمات شريكة لها، وهو يندرج ضمن مشاريع ويحتاج إلى إجراءات تحويل ونقل وغيرها". ويوضح مدير "صحة حلب الحرة" الدكتور نوار كردية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "جميع مستشفيات المنطقة غير قادرة على تغطية احتياجات الزلزال لأن عدد الإصابات كبير جداً في جنديرس ومناطق ريف حلب الغربي، كما أن النقص هائل في الكوادر والمعدات الطبية والمستلزمات. وأهم المواد الطبية المطلوبة هي أدوات جراحة العظام ومستلزمات الإسعاف والطوارئ، ويجب صيانة أجهزة الأوكسجين والتدفئة والعلاج الفيزيائي".
ويشدد كردية على أن الكوادر الطبية قادرة على التعامل مع الإصابات والتدخل الجراحي في حال توفير المستلزمات، فيما تتمثل المخاطر في نقص المواد والأدوية ونقص سيارات الاسعاف والكوادر والأطباء المتخصصين، وعدم القدرة على صيانة الأجهزة الطبية وخروج بعض المراكز عن الخدمة بسبب الزلزال. وقد تأخر دعم منظمة الصحة العالمية في شمال غربي سورية التي تعرضت لشبه تهميش، أما الدور الأفضل فاضطلعت به فرق منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) ومنظمات أهلية تطوعية".

ويقول الدكتور حسام قره محمد، معاون مدير صحة إدلب لـ"العربي الجديد": "تضم إدلب 50 مستشفى استقبلت نحو 11 ألف مصاب. وعملت الكوادر الطبية بحسب إمكاناتها، في حين كانت الاحتياجات كبيرة جداً، ولم تقدم منظمة الصحة العالمية أي دعم خلال الأيام الخمسة الأولى من الزلزال حين انحصر الدعم في الكوادر المحلية التي وفرت الكوادر البشرية من أطباء وممرضين وفنيي عمليات وفرق للإسعاف والإنقاذ في مقدمها الدفاع المدني السوري. وأتت مجموعة من الأطباء إلى المنطقة وقدمت علاجات نوعية ومتخصصة في بعض الحالات. وفي أي كارثة تالية سيكون القطاع الصحي عاجزاً وأرقام الوفيات كبيرة". 

المساهمون