"قصّر مجرمون" يهزون يوميات المغرب

"قصّر مجرمون" يهزون يوميات المغرب

30 نوفمبر 2022
1% من سجناء المغرب تحت 18 سنة (عبد الحق سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

تشكل الجرائم التي يرتكبها قصّر في المغرب حقيقة مؤلمة، وهي تطرح تساؤلات عدة حول الظروف والأسباب التي ترتبط بتحولهم من مجرد مراهقين أبرياء إلى قتلة منحرفين عن الإنسانية.

وتكرر في الآونة الأخيرة ارتكاب جرائم بشعة هزّت المجتمع المغربي كان أبطالها قُصراً نفذوا جرائمهم في ظل ظروف مختلفة، لكن النتيجة كانت واحدة في النهاية، وتتمثل في أنهم تحولوا إلى "قُصر مجرمين".
في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، هزّ مدينة طنجة (شمال) خبر وقوع جريمة بشعة، بعد العثور على طالب جامعي ونجم لتطبيق "تيك توك" في عقده الثاني مذبوحاً من الوريد إلى الوريد داخل شقته.
وفيما أثارت الجريمة أكثر من علامة استفهام حول دوافعها وهوية مرتكبيها، كشف تحقيق جهاز الأمن تورط فتاة قاصر بمخطط الجريمة وآليات تنفيذه بالكامل، بعدما هربت من مسرح الجريمة وغيّرت ملابسها وأخفت أداة القتل، وسرقت هاتف المقتول.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سلّم قاصر في الـ17 من العمر نفسه إلى رجال الأمن في مدينة طنجة، واعترف بقتله مسنّاً هو صديق لوالده، بعدما زعم أنه تعرض لمحاولة اغتصاب بالقوة.
ومن الجرائم الأكثر بشاعة التي تورط فيها قُصر، قتل فتاة في الـ14 من العمر والدها الأربعيني في مدينة مراكش (وسط) في يوليو/ تموز الماضي، وذلك عبر طعنه بسكين في العنق حين ضبطها تتناول المخدرات.
ويقول الباحث في علم الاجتماع هشام بوقشوش، لـ"العربي الجديد"، إن "تفاقم المشكلات الاجتماعية وحالات الخداع والاحتيال في المجتمعات الحالية، وتسارع وتيرة التغيّرات المادية والتكنولوجية وانعكاسات الأوضاع المتأزمة جداً التي تفرزها على الأفراد والمجتمع، جعلا الانحرافات والجرائم في تزايد مستمر. وهذا ما يفسر تفاقم الصعوبات والتحديات التي تجعل القاصرين تحديداً يدفعون ثمن الاختلالات النفسية الاجتماعية الفردية أو الأسرية، أو ربما طموحاتهم المتعثرة المرتبطة بتحقيق خطوات غير مسبوقة على إيقاعات التقدم العلمي والتقني. وهكذا تصبح الانحرافات والجرائم التقليدية، أو الجنح والجنايات المستحدثة، جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية التي تمس الكيان الإنساني للمجتمع".

الصورة
قد تكون حياة مغاربة مراهقين غير اعتيادية (جلال مرشدي/ الأناضول)
قد تكون حياة مغاربة مراهقين غير اعتيادية (جلال مرشدي/ الأناضول)

لكن بوقشوش يرى أنه "لا يمكن الحديث عن ارتفاع وتيرة الجرائم من خلال حادثي مقتل الطالب الجامعي والرجل المسن، اللذين قد يرتبطان بأسباب اجتماعية ونفسية خاصة بالمنفذين، لكن ذلك لا ينفي عكسهما الوعاء النفسي العام للمجتمع المغربي بكل مؤسساته. ويجعل ذلك الواقعتين تتخطيان الفعل الإجرامي المرتبط بالضحية والمدان فقط، والذي يمكن القول إنه يمثل قراءة مبسطة لوقائع وأحداث من هذا النوع، إلى إبراز الشق الاجتماعي باعتبار أن السلوك المنحرف أو الإجرامي سيلان اجتماعي ناجم عن التفاعلات والعمليات الاجتماعية المتنوعة التي تحدث داخل المجتمع، ويحدث بمشاركة الأنظمة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية".
وتمثل الفئة العمرية الأقل من 18 سنة (الأحداث والقاصرون) نسبة واحد في المائة من مجموع السجناء في المغرب، وفق تقرير أصدره المرصد المغربي للسجون في 4 أغسطس/ آب الماضي.
ويرى الباحث في علم الجريمة رشيد بو عبيد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن حالات الجرائم البشعة، التي ارتكبها قُصر في الآونة الأخيرة، تسلط الضوء على ظاهرة جنوح الأحداث التي تبقى عادية في كل المجتمعات وتتكرر بدرجات مختلفة وبكيفيات متمايزة، كما ترتبط غالباً بظروف استثنائية تتعلق بتغرير المحيط بالقاصرين ودفعهم إلى الانحراف الذي قد ينجرون إليه".
يضيف: "تتميز المرحلة العمرية للقُصر بالطيش والاندفاع وعدم النضج، والتوتر في العلاقة مع المحيط، خصوصاً الآباء والقائمين على تربيتهم، في سياق ما يعرف بصراع الأجيال. والدوافع التي تقترن بهذه الجرائم ترتبط بعوامل نفسية ومجتمعية قد تمس كرامة الأطفال، وتضع المجتمع أمام جرائم عاطفية نتيجة الاندفاع المفاجئ للدفاع عن صورة الذات، أو ما يرتبط بها من أسرة وشرف وعرض".

ويرى بو عبيد أنه "يصعب الجزم بأولوية بعض العوامل مقارنة بأخرى نفسية مرتبطة بأوضاع اجتماعية أو اقتصادية، فجرائم القصر تقع بالصدفة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقتل، والجرائم المرتبطة بجنوح الأحداث وتلك البشعة التي ترتكب تفرض أن يتناولها الباحثون والمؤسسات من جوانب مرتبطة بالأساليب التي تعزز حمايتهم الذاتية".
ويلفت إلى أن "الأساليب التربوية التي تعتمد داخل مؤسسات الأسرة والمدرسة تؤثر بشدة في شخصية المراهقين والناشئين، لذا يتعين توخي الحذر في شأنها في ظل الانفتاح الكبير على ثقافات وأنماط سلوكية جديدة، والجدل الذي يرافق هذا الانفتاح في علاقته بالخصوصية الثقافية للمجتمع".
ويرى أن "الواقع الحالي يستلزم نوعاً من اليقظة لدى القائمين المشرفين على العملية التربوية، والتنبه إلى الأفكار الهدامة التي ترتبط بالنزعة المفرطة حول الذات، والتي قد تؤدي الى التطرف ونوع من الغلو، علماً أن جنوح الأحداث مسألة معقدة تقتضي القيام بمجموعة دراسات للوقوف على الحيثيات وظروف الجرائم، والتدقيق في العوامل التي ترتبط بها، خصوصاً أن تلك الجرائم تتميز بطابع الصدفة ونوع من الاندفاع العاطفي".

المساهمون