فلسطينيو أوروبا... أجيال جديدة لـ"جبر الأحلام المكسورة"

فلسطينيو أوروبا... أجيال جديدة لـ"جبر الأحلام المكسورة"

24 ديسمبر 2023
تعج شوارع أوروبا بفعاليات التضامن مع غزة (العربي الجديد)
+ الخط -

كان لافتاً خلال العدوان الإسرائيلي على غزة محاولة جيل فلسطيني جديد ولد وكبر في أوروبا، وسم العدوان بصورته الحقيقية المنافية للإنسانية، وظهر هؤلاء في تحركات نظموها مع أوروبيين في الشوارع.
تتحدث الشابة ولاء التي ولدت وكبرت في الدنمارك على وقع الانتفاضة الثانية، وصارت اليوم أماً لطفل يرتاد مدرسة مثلما فعلت هي نفسها قبل أعوام لـ"العربي الجديد"، عن أن ابنها رفع علم فلسطين في المدرسة، وردد هتافات سمعها خلال التظاهرات نددت بالعدوان الإسرائيلي على غزة، فاستدعتها إدارة المدرسة إلى جلسة وصفتها بأنها "محاولة لتكميم الأفواه". وتقول: "رددت على مسؤولي المدرسة أن أحداً لا يستطيع القول لطفل يبلغ 7 سنوات ماذا يجب أن يشعر أو يفعل. لقد تضامن مع الأطفال في غزة، وأنا فعلت ذلك حين كنت في عمره، ولا أستطيع أن أساعدكم في منعه من إظهار ما يشعر به طالما يتفرج العالم على المأساة منذ عقود".
ويرى المهاجر في الدنمارك، محمد حميد، الذي يتحدر من بلدة فرعم بقضاء صفد الفلسطيني، بحديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجيل الجديد تجاوز الأدوار التقليدية للأجيال السابقة، سواء على صعيد أدوات العمل أو الخطاب الجريء الذي يوجهه إلى حكومات البلدان التي يعيش أفراده كمواطنين فيها. ومن البديهي أن يفكر فلسطينيو أوروبا جدياً بوسائل جديدة لدعم أهلهم في غزة. وإلى جانب العمل الرائع الذي ينفذه الجيل الشاب على مستوى نشر حقيقة القضية الفلسطينية في الأوساط الغربية، يمكن أن يتجه إلى تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة لدعم صمود الشعب في غزة، والتي قد تموّل جماعياً من قبل مقتدرين".
بدوره يؤكد محمود، وهو شاب لأم دنماركية وأب فلسطيني، أن تفاعله مع قضية فلسطين لا ينبع فقط من واقع كونها وطن أبيه وأجداده، بل وطنه هو نفسه. ويعتبر الشاب الذي شكل مع آخرين محور التحركات الأولى في الشارع، أن "دعم فلسطينيي غزة جزء أساسي ومهم من دعم صمود الشعب الفلسطيني في أرضه، ويفترض بالتالي أن تتركز الجهود القادمة على تطبيق آليات حقيقية ومستدامة لمشاريع تعطي النساء والأسر الضعيفة فرصة للحصول على دخل ثابت من المشاريع".
من مدينة آرهوس تتحدث الجامعية أميرة التي ولدت في الدنمارك، لـ"العربي الجديد"، عن إيمانها بأن "مهمة جميع الفلسطينيين في أوروبا هي استمرار إظهار المعاناة في غزة وعموم فلسطين في ظل الاحتلال، ورفع أصوات الاحتجاج سواء في الشارع أو وسائل الإعلام، والتواصل حول ضرورة رفض الاحتلال بعد 75 سنة من الظلم". 

الصورة
أجيال متعددة تدعم القضية الفلسطينية (العربي الجديد)
أجيال متعددة تدعم القضية الفلسطينية (العربي الجديد)

وتذكر أنها تتفق مع بقية الشباب في أوروبا على أن الخطوة التالية "تتمثل في ترجمة واجب دعم شعبنا في غزة، خصوصاً الأسر والأطفال. وتشهد مبادرات عدة بيع الناس كل شيء تقريبا لتوفير أموال لغزة، لكن الأمر يستحق خطوات أخرى مثل تمويل الفلسطينيين مشاريع مستدامة في غزة كي لا يخضع الناس للسجالات التي أظهرت نفاقاً في شأن المساعدات الدولية لقطاع محاصر". وتختم: "ليست مسؤوليتنا فقط إسماع أصواتنا إلى أصحاب القرار في دولنا الغربية، بل استخدام كل الطاقات والإمكانات كشباب وجيل ثان وثالث في الشتات الأوروبي".
من السويد، يشير المغترب الفلسطيني سمير إلى أن "فلسطينيي الشتات الغربي يجب أن يفكروا بمشاريع جدية تدعم صمود كل فلسطين عموماً وغزة خصوصاً. ويمكن تنفيذ المشاريع من خلال علاقات مباشرة مع مجموعات نسوية أو غيرها في غزة من أجل تجاوز مسائل الثقة في أيصال التمويل إلى أهدافه المنشودة". ويشدد على أن الوكالات اليهودية ليست أذكى من الشعب الفلسطيني، وعلى ضرورة التفكير جدياً باستغلال كل الإمكانات المتاحة لتأكيد وقوف الفلسطيني مع أبناء شعبه، ومساندة قضيته بتفكير يتلاءم مع التطور الحاصل في الرأي العام الأوروبي، ومجالات عمل الشباب الفلسطيني المتعلم.
ويقول الكاتب الفلسطيني المقيم في فرنسا، نزار السهلي، لـ"العربي الجديد": "ما ظهر خلال العدوان على غزة هو التلازم بين فلسطين والإنسانية، خصوصاً في بلاد اللجوء الأوروبي، ما أدى إلى نقاشات جعلت قضية فلسطين موضع اهتمام، وطرحت أسئلة عن دور الشتات في دعم الصمود الفلسطيني".
ويؤكد ابن غزة المقيم في مدينة نيور الفرنسية، سعدي النونو، لـ"العربي الجديد" أن "وجع المشهد يزداد كلما حاولت الاتصال بأهلي للاطمئنان عليهم، فالوضع يتطلب الدعم، والدعم يتطلب تضافر الجهود الفلسطينية كي لا يكون الفلسطيني تحت رحمة الاحتلال والمنظمات الدولية العاجزة عن أداء دورها، وألا يبقى التعبير عن التضامن مجرد مواقف عاطفية".

الصورة
مسيرة بالعلم الفلسطيني في فرنسا (العربي الجديد)
مسيرة بالعلم الفلسطيني في فرنسا (العربي الجديد)

وتشير الشابة الفلسطينية إسراء التي تعيش في غرب العاصمة الفرنسية باريس، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العجز عن تخيّل أحلام الناس في ظل الركام، ومعاناتهم من نتائج العدوان ودخول فصل الشتاء تتطلب أن نثبت جميعاً أننا نريد الحياة لغزة ولكل فلسطيني حتى يكون هناك ضوء في آخر النفق من خلال توفير الشتات في أوروبا والغرب عموماً دعماً جدياً وحقيقياً".
ومن فرنسا أيضاً تؤكد الفلسطينية وفاء، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال يتفنن على معابر غزة في منع إدخال أشياء نعتبرها بسيطة في حياتنا في أوروبا، مثل ثوب عروس أو حبة شوكولاته. ورسالتي هي أن كل فلسطيني مغترب يجب أن يشارك بأشياء حتى تلك البسيطة كي تتراكم وتكبر لأجل الصغار والأسر التي فقدت كل شيء، وهذا واجب أخلاقي وإنساني وديني".
بدوره، يتحدث هشام أحمد أبو رشيد، وهو فلسطيني ولد أولاده وأحفاده في الدنمارك، لـ"العربي الجديد" عن أن جميع أفراد عائلته ينتمون إلى فلسطين رغم كل محاولات تغريبهم. يقول: "لقد وُلدوا هنا لكن مسألة عدالة قضية فلسطين لا تجذبهم وحدهم بل حتى تجذب أوروبيين، وربما هذا ما فاجأ بعض أصحاب القرار في عموم القارة حين تحركت الشوارع بعد مجزرة المستشفى المعمداني".

ويقول زيدان زيدان المتحدر من الطيرة بحيفا، وهو مهاجر منذ نحو 40 سنة في الدنمارك، لـ"العربي الجديد": "تغيّر مبادرات الجيل الشاب وأنشطته نظرة الأوروبيين إلى القضية الفلسطينية، ويناقش بعضهم حالياً ضرورة الإفادة من هذا الزخم لتوفير دعم مستدام لغزة يجعل الناس يعتمدون على أنفسهم، ويجب أن نساهم كفلسطينيين في دعم الصمود المعمد بالدم حتى يكنس الاحتلال عن أرضنا".
ومن مدينة برشلونة الإسبانية يتحدث عمر طويل لـ"العربي الجديد" عن أن "سلطات المدينة اتخذت موقفاً ممتازاً بقطع العلاقات مع الاحتلال، لكن ذلك لا يعني أن نتراخى كفلسطينيين وعرب في أوروبا، إذ يجب تنفيذ جهود سريعة للنجدة، وهذا ممكن بالتعاون مع بقية الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني التي تراقب عن كثب الأوضاع في غزة والاحتياجات الانسانية الملحة التي يتطلبها السكان".

الصورة
دعوات للتضامن العملي مع أهالي غزة (العربي الجديد)
دعوات للتضامن العملي مع أهالي غزة (العربي الجديد)

وفي برلين يقول الفلسطيني أحمد الخطيب لـ"العربي الجديد": "من أجل منع أن يبقى الحصار منسياً وتجنب أن يحدث العدوان يأساً وإحباطاً يجب أن ندعم أطفال غزة والمزارعين الذين جرفت أراضيهم وعشرات آلاف الجرحى، وأولئك الذين خسروا بيوتهم، بكل ما هو مطلوب للوقوف معهم. وأبواب المساعدات كثيرة ويعرف الجميع عناوينها".
ومن هولندا، يقول الفلسطيني خالد أيوب لـ"العربي الجديد": "إذا كان الشعور الإنساني يلف شوارع أوروبا رفضاً للعدوان على الشعب الفلسطيني، فالقلق هو من أن يستمر العدوان على غزة، فهذه البقعة بالذات من مساحة فلسطين تلخص كل الحالة الانسانية والجبروت الصهيوني، وهي لا تحتاج إلى كلام وشعارات، بل إلى عمل يساوي الغضب والقتل بكل ما يمكن أن يستخدم لترميم وجبر الأحلام المكسورة".
وفي كل الأحوال، يبدو أن الأجيال الشابة في الغرب فرضت نفسها عبر رفع علم فلسطين وترديد شعارات عالية النبرة. وشمل ذلك أيضاً أوروبيين وقفوا جنباً إلى جنب مع الجيلين الثاني والثالث من فلسطينيي أوروبا في رفض التعامل  بمعايير تكرّس الازدواجية في التعامل مع الضحايا والحق في الحياة. ويأمل هؤلاء في ترجمة ذلك من خلال تشكيل وكالة للفلسطينيين تنفذ مشاريع على الأرض لمساندتهم حتى تحقيق هدف تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة.

المساهمون