فلسطينيون يصرون على حقهم بزيارة الأماكن الطبيعية رغم معوقات الاحتلال

فلسطينيون يصرون على حقهم بزيارة الأماكن الطبيعية رغم معوقات الاحتلال

11 يوليو 2022
غزلان في منطقة قرب مدينة الخليل الفلسطينية (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -

يحرص الفلسطيني أيمن أبو عرام (35 عاماً) أن يكون للطبيعة نصيب من إجازاته الأسبوعية وعطلة العيد في ظل ثقافة سائدة تتجه إلى مدن الألعاب والمتنزهات التجارية والمطاعم، باحثاً عن تضاريس مختلفة عن المدن ومناطق السكن المليئة بالبنايات، لكنها ليست بالرحلات السهلة بسبب ما يفرضه الاحتلال الإسرائيلي من ظروف صعبة على الفلسطينيين.

ويتحدث أبو عرام، الذي يقطن بلدة بيرزيت شمالي رام الله وسط الضفة الغربية، لـ"العربي الجديد"، عن قصته مع الطبيعة، والتي بدأت برحلات استكشاف للمناطق الطبيعية بشكل دوري مع جائحة كورونا، حيث أصبح لديه الوقت الوفير في ظل توقف الأعمال، وزاد نشاطه للوصول إلى تضاريس مختلفة عن المدن.

ومع الوقت أصبحت لدى أيمن أبو عرام هواية تصوير المناطق التي يزورها، ويقول إن هدفه من ذلك تعريف الناس على تلك المناطق.

ويحرص أبو عرام على القيام بثلاث رحلات في الشهر تقريباً في أيام الجمعة، مستمتعاً بالطبيعة، وقد اختار أن يأخذ عائلته في عيد الفطر الأخير إلى عين الفشخة في أريحا.

من جهته، يقول علاء قطيش، 47 عاماً، إنه يحاول التواصل الدائم مع الطبيعة عبر مسارات المشي، فهو كان، كما يقول لـ"العربي الجديد"، يلعب كرة القدم وتوقف عن التدريبات بعد الزواج، فأراد أن يبحث عن رياضة أخرى بدأت معه في العام 2013، بمسارات إلى الطبيعة، وهي ليست رياضة وحسب، بل تحمل معاني التعرف على البلاد، وأصبح مع الوقت في مجلس إدارة فريق "امشِ وتعرف على بلدك"، ويخرج في كل أسبوع لمنطقة جديدة. فـ"في الصيف تكون مسارات المشي في المناطق المحيطة بمدينة رام الله، كونها أقل حرارة، وأقرب مسافة، وفي الشتاء، تنتقل مجموعته إلى المناطق الأكثر حرارة مثل أريحا والأغوار، وفي الربيع إلى مناطق شمال الضفة الغربية".

لكن الحيز العام من الطبيعة بالضفة الغربية يعاني من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي من جانب وضعف الاهتمام الكافي في المناطق الأخرى، فمعظم المناطق الطبيعية والمحميات الطبيعية يسيطر عليها الاحتلال نتيجة لوجودها في المناطق المصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، والذي جعل سيطرة السلطة الفلسطينية الأمنية والمدنية على المناطق (أ) فقط، أي مراكز المدن ومراكز جزء من البلدات والقرى، بينما المناطق (ب) تحت سيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، والمناطق (ج) التي تشكل أكثر من 60 بالمائة من مساحة الضفة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية، وتحتوي على معظم المناطق الطبيعية وحتى الزراعية.

هذا الوضع أدى في ظل سياسات الاستيطان إلى سيطرة ما تسمى سلطة الطبيعة الإسرائيلية على الكثير من المحميات الطبيعية وعيون المياه، حتى أنها تفرض رسوماً على دخول عدد من المناطق.

ويقول أبو عرام إن الاحتلال منع فعلاً الوصول إلى بعض الأماكن، مثل أحراش بلدة أم صفا شمال غربي رام الله، حيث أغلق الاحتلال المدخل الممكن الدخول منه فلسطينياً وأبقى على مدخل آخر متاح فقط للمستوطنين فقط.

وفي مناطق أخرى يضطر أبو عرام كغيره لدفع رسوم دخول إلى عدد من المناطق وخصوصاً عيون المياه، مثل عين الفشخة، وعين فارة شرق القدس.

ويقول أبو عرام إن "معظم المناطق التي فيها مياه وينابيع يسيطر عليها الاحتلال، وكذلك المطلات مثل مطلات البحر الميت، هناك ما يتبع بشكل مباشر لسلطة الطبيعة الإسرائيلية، وهناك ما هو متروك دون إشراف، وهناك بعض الإجراءات التي تحد من وصول الناس مثل فرض رسوم إسرائيلية، وكذلك تدقيق في الهويات ببعض المناطق الأخرى، فضلا عن الشعور العام بأن الفلسطيني في بلده يحتاج إلى دفع رسوم للاحتلال لدخول مكان فلسطيني".

لكن أبو عرام يستدرك أن "وجود الاحتلال مزعج لنا، لكننا نعتبر أن هذه مناطقنا وأي وسيلة للوصول إليها والاستجمام فيها دون الخضوع لتصاريح الاحتلال أمر إيجابي، التجول والتواجد في البلاد دون فرض تصاريح هما إيجابيان. وكما أن وجود المستوطنين مزعج لي، فإن تواجدي هناك مزعج لهم أيضاً".

أما قطيش فيؤكد أن معظم المسارات في الضفة الغربية كان الاحتلال هو من يقوم بتحديدها، ووضع العلامات لها في الطبيعة، ولكن بعد الانتشار لفرق المسارات الفلسطينية، وما أسماه بالنهضة في هذا المجال، أصبحت هناك أيضا مسارات فلسطينية، كما هو الحال لمجموعة فلسطينية في الخليل قامت بعمل مسارات غير تلك التي حددتها الجهات الإسرائيلية، ووضع العلامات لها.

ويتابع قطيش: "صحيح أن السيطرة في هذه الأماكن للاحتلال، لكنك تستطيع أن تمشي في أرضك، وجودك هناك يجعل تواجدك مستقبلاً متاحاً، لكن ترك هذه الأماكن يجعلها محرمة علينا، مثلاً قرب دير بلوط في سلفيت شمال الضفة كان لنا مسار قرب مستوطنة إسرائيلية، حاول جيش الاحتلال طردنا، ورفضنا وأصررنا على المشي في مسارنا، فتكرار الوصول إلى هناك سيجعل التواجد الفلسطيني له شرعية".

ويشير قطيش إلى أن محاولات المنع تتكرر، مثل عين بوبين غرب رام الله، التي تمنع المجموعات الفلسطينية من الوصول إليها في كثير من الأحيان بحجة وجود مستوطنين يسبحون في بركتها، قائلاً: "يجب أن نواصل التردد على مثل هذا المكان حتى لو تكرر المنع".

وأيضا يؤكد المتحدث وجود محاولات متواصلة من الاحتلال للسيطرة على كل الطبيعة الفلسطينية، وآخرها وادي المقلق العلوي والسفلي في أريحا، الذي كان مسارا لمجموعته أكثر من مرة، لكن الاحتلال أخيراً أعلنه محمية طبيعية تابعة لسلطة الطبيعة الإسرائيلية، متخوفاً من منع الوصول إليه مستقبلاً.

وفي المقابل، يرى هؤلاء المحبون للطبيعة غياب الاهتمام الفلسطيني من الجهات الرسمية وغير الرسمية بالمناطق التي لا يسيطر عليها الاحتلال، ويعطي أبو عرام مثال عين العوجا في أريحا، التي لم تأخذ حقها من الاهتمام كما يقول، ومقام النبي موسى الذي يعد منطقة تاريخية ولا تحتوي على أي خدمات تجذب الناس إليها.

ويؤكد قطيش وجود جهود تطوعية محلية من الأهالي ومجموعات تطوعية، كما يحصل في دير غسانة شمال غربي رام الله من حملات تنظيف للمسار الطبيعي هناك، ووادي القس في الخليل الذي قام الشبان بتنظيفه، لكنه يؤكد أيضا غياب الجهود الرسمية كما يرى من تجربته الممتدة منذ تسع سنوات.

المساهمون