غلاء الأسعار يقلص الأعراس في إيران

غلاء الأسعار يقلص الأعراس في إيران

05 سبتمبر 2023
كلفة الأعراس باهظة في إيران (إريك لافورغ/Getty)
+ الخط -

اتفق الإيرانيان سبهر (35 سنة) وإلناز (30 سنة) على الزواج قبل عامين، وقاما بعقد القران قبل عام بالفعل، لكنهما لم ينتقلا بعد إلى مرحلة إتمام الزواج بسبب ارتفاع الأسعار، وخصوصاً تكاليف حفل العرس. 
يقول سبهر لـ"العربي الجديد"، إنه يعمل في مجال صناعة الأحذية منذ نحو عشر سنوات، ويتقاضى شهرياً 15 مليون تومان (300 دولار)، لكن التخطيط لبناء حياة اضطره قبل عامين إلى العمل في الفترة المسائية كسائق أجرة مستخدماً سيارته الخاصة في نقل الأشخاص داخل العاصمة طهران، وهذا يوفر له ما يعادل 300 دولار إضافية شهرياً، لكنه لم يتمكن بعد من ادخار ما يكفي لتغطية تكاليف الانتقال بخطيبته إلى عش الزوجية المشترك، فارتفاع الأسعار لا يتوقف. 
ويضيف: "يكون العريس محظوظاً في حال امتلاك منزل، أما أنا، فمضطر لاستئجار بيت لبدء الحياة الزوجية، واستئجار البيت في ظل الغلاء القائم مكلف جداً، وحسب ما هو متعارف عليه، يتحتم علي توفير نحو 8 آلاف دولار لتسليمه لصاحب البيت كمقدمة أو رهن، فضلاً عن إيجار شهري يعادل 150 دولاراً كحد أدنى، علماً أن مبلغ الرهن يسترجع مع نهاية العقد، لكن من دونه لا يمكن استئجار البيت، والرقم يرتفع سنوياً، ويختلف من منطقة إلى أخرى".  
وأصرت أسرة العروس حين كتابة عقد القران على إقامة حفل عرس، لكنها تنازلت عن ذلك أخيراً بسبب التكاليف الباهظة، وعدم قدرة العريس على تأمينها بعد أكثر من عام. يقول سبهر: "حفل العرس العادي يشارك فيه نحو 200 ضيف، ويشمل قيمة استئجار الصالة، وكلفة الطعام، والتصوير، وصالة التجميل وغيرها، وتلك التكاليف في منطقة متوسطة الحال بطهران تبلغ في المتوسط نحو 4 آلاف دولار".  
لا يخفي سبهر سعادته بقرار أسرة خطيبته الاكتفاء بمراسم عرس بسيطة، وشهر عسل في مناطق شمال إيران، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن الأمر محرج، لأن أصدقاءه وصديقات العروس تمكنوا من إقامة أعراسهم، مشيراً إلى أنه قرر تخصيص جزء من المبلغ الذي ادخره لتكاليف العرس لشراء الذهب لخطيبته، والجزء المتبقي سيضيفه إلى قيمة قرض بنكي للزواج لاستئجار بيت أفضل.  
وتقول العروس إلناز لـ"العربي الجديد"، إن أسرتها اشترت المستلزمات بمبلغ قدره 500 مليون تومان (نحو 10 آلاف دولار)، مشيرة إلى أن "نحو ثلث هذا المبلغ هو قرض بنكي للزواج، تسدده الأسرة على أقساط شهرية. في إيران، تشارك أسرة العروس في تأسيس حياتها الجديدة مع زوجها من خلال شراء مستلزمات أساسية، وهو ما يُعرف بـ(الجهيزية)، وهو تقليد متوارث، لكن في الوقت الراهن، لم تعد كثير من الأسر قادرة على ذلك من جراء غلاء الأسعار". 

الصورة
الأعراس الشعبية أيضاً مكلفة في إيران (إريك لافورغ/Getty)
الأعراس الشعبية أيضاً مكلفة في إيران (إريك لافورغ/Getty)

وخلال العقد الأخير، انخفضت نسب الزواج في البلاد، فبعد أن كانت أعداد عقود الزواج تتجاوز 874 ألفاً في عام 2011 في عموم البلاد البالغ عدد سكانها نحو 75 مليون شخص آنذاك، تراجعت الأرقام لتسجل البلاد خلال العام الماضي 524 ألف حالة زواج فقط، رغم ارتفاع عدد السكان إلى 85 مليون نسمة، فضلاً عن زيادة نسب الطلاق في المجتمع الإيراني، إذ سجلت خلال العام الماضي حالة طلاق واحدة من بين كل ثلاث حالات زواج.
يمتلك فرزاد وليدي محلاً لبيع الذهب في وسط مدينة سنندج (غرب)، ويقول إن محال بيع الذهب تشهد كساداً على خلفية تراجع أعداد الأعراس، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "محال بيع الذهب كانت تركز على بيع طواقم الزواج في السابق، وكان كل محل يتردد عليه ثلاث أو أربع أسر لشراء ذهب الزواج على الأقل أسبوعياً، لكن الشراء يتراجع منذ عام 2018، على خلفية المشاكل الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الأميركية القاسية. الأسر كانت تشتري ما بين 80 إلى 100 غرام من الذهب للزواج، لكن تراجعت الكمية إلى نحو 30 غراما في الوقت الراهن".  

يضيف وليدي: "جراء هذا التراجع الحاد، لم تعد محال بيع الذهب تضع في حساباتها مسألة بيع الذهب للأعراس، ولا يعني ذلك أنه لم تعد هناك أعراس، لكن نتيجة تراجع القدرة الشرائية، يتفق العريس مع العروس على شراء جزء من الذهب المتفق عليه حين كتابة القران، على أن يتم شراء البقية خلال الحياة الزوجية، فعلى سبيل المثال، إذا اتفقا على شراء ذهب بقيمة 200 مليون تومان (4 آلاف دولار) يشتري العريس بقيمة 30 إلى 40 مليوناً فقط قبل العرس، وتكون البقية مؤجلة، وباتت ثقافة تسهيل الزواج منتشرة بين الأسر تفهماً منها للصعوبات المعيشية، وأسر العرائس خففت من مطالبها بشأن شراء ذهب الزواج، وبعضها أصبحت توافق على شراء العريس قدر ما يستطيع".
لكن الغلاء ليس السبب الوحيد وراء تراجع نسب الزواج في إيران. يقول نائب تنظيم شؤون الشباب بوزارة الرياضة والشباب، محمد مهدي تندغويان، إن "ما بين 30 إلى 40 في المائة من أسباب العزوف عن الزواج تعود إلى انحراف في القضايا الثقافية والاجتماعية، وليس عوامل اقتصادية"، ويضيف أن "نتائج أبحاث أجريت في عام 2020، تشير إلى أن 37 في المائة من الشبان والشابات ليسوا راغبين بالزواج، حتى وإن حلّت كافة مشاكلهم الاقتصادية، وأن الميل نحو العزوبية بات يتغلغل في قناعات الشباب، ما يفقدهم الدافع لتشكيل أسرة".

المساهمون