غزة مقبرة جماعية... علامات لتمييز آلاف المدافن العشوائية

غزة مقبرة جماعية... علامات لتمييز آلاف المدافن العشوائية

غزة

أمجد ياغي

avata
أمجد ياغي
12 ديسمبر 2023
+ الخط -

تشهد جميع مناطق قطاع غزة دفن الشهداء في مقابر جماعية، خصوصاً في المناطق المحاصرة في شمالي القطاع ومدينة غزة، وصولاً إلى مناطق وسط القطاع، فضلاً عن انتشار الدفن العشوائي في باحات المدارس والمستشفيات، مع وضع علامة مميزة أو كتابة اسم الشهداء على القبر.
نزحت عائلة فراس عبد الله من منطقة شرق بلدة جباليا إلى وسط مخيم جباليا قبل أسبوع، وكانوا يقيمون داخل أحد المنازل التي قصفها الاحتلال، استشهد في المبنى 10 أفراد، كان من بينهم شقيقه سلامة عبد الله (36 سنة)، ونجله ريان (7 سنوات)، ونتيجة الحصار المفروض على المخيم، قام فراس بدفنهما في أحد الشوارع الفرعية. يقول لـ"العربي الجديد": "قمت بدفن شقيقي وطفله في قبر واحد، ولم أجد حجارة لوضعها كأساس للقبر، فأحضرت أجزاء من أنقاض المنازل المدمرة، ووضعتها فوق القبر".
دفن فراس عشرة من أفراد عائلته وعائلة والدته بالفعل، ويقول إنه حاول اختيار زاوية مميزة في الشارع حتى يسهل عليه التعرف إليها لاحقاً، لكن الأزمة الأكبر تمثلت في أن مخيم جباليا لا توجد فيه رمال كثيرة، أو أراضٍ فارغة، ما يجعل إنشاء مقبرة أمراً صعباً، كما لا يمكن دفن الجثامين في المقابر القديمة، فهي إما ممتلئة، أو يحاصرها الاحتلال ولا يمكن الوصول إليها.
استهدف الاحتلال منزل عائلة الصحافي أنس الشريف في منطقة "الترنس" بوسط مخيم جباليا، ما أسفر عن استشهاد والده جمال الشريف (65 سنة)، وهو مختار العائلة التي يوجد معظم أفرادها في المخيم. اضطر أنس إلى دفن جثمان والده داخل باحة إحدى المدارس كون الاحتلال يحاصر المخيم من كل الجهات، ويقصف جميع مناطقه، على أن يتم نقل الجثمان بعد انتهاء العدوان إلى إحدى مقابر شمالي القطاع.
ودفن العشرات من المحاصرين في الشمال ومدينة غزة جثث ذويهم داخل ملاعب المدارس التابعة لوكالة أونروا والمدارس الحكومية. يقول إسماعيل الخضري إنه كان كغيره من الغزيين عاجزاً عن الوصول إلى أي من المقابر في مدينة غزة، وإنه دفن والدته وثلاثة من أفراد عائلته داخل إحدى المدارس بوسط مدينة غزة، وإنه عجز قبل الدفن عن وضعهم في أكفان لعدم توفرها.
يضيف الخضري في حديث لـ"العربي الجديد": "لم أتصور يوماً أن نصل إلى هذه الحال أبداً. كنت عاجزاً عن تكفين والدتي التي استشهدت في منزلنا بحي الدرج، شرقي مدينة غزة، في بداية الشهر الحالي، وجاء بعض الناس لمساعدتي، وأعطوني أكياس نايلون كبيرة، فوضعت فيها الجثمان، كما شاركت في دفن ثلاثة من أفراد عائلتي بالطريقة نفسها".

تجاوز عدد شهداء غزة 18 ألفاً فضلاً عن نحو 10 آلاف مفقود

يقيم الخضري مع عدد من أفراد أسرته حالياً في إحدى مدارس حي الرمال، ويؤكد أنه كان شاهداً على استهداف الاحتلال، يوم الجمعة، الثامن من ديسمبر/ كانون الأول، لجثامين عدد من الشهداء خلال نقلها للدفن في الأرض المخصصة لذلك في مجمع الشفاء الطبي، وإن أربعة أشخاص أصيبوا في ذلك القصف، ما اضطرهم إلى دفن جثامين 6 شهداء في أرض فارغة بالقرب من شارع أحمد فهمي في مدينة غزة، وقد وضعوا علامات عليها باستخدام قطع من الفحم.
وتعتبر المقبرة الشرقية ومقبرة الفالوجا والمقبرة الغربية في بلدة بيت لاهيا هي المقابر الثلاث المصرح بالدفن فيها من وزارة الأوقاف الدينية في قطاع غزة، وحالياً يمكن فقط الوصول إلى مقبرة الفالوجا، على حدود مخيم جباليا، لكنها أصبحت ممتلئة عن آخرها، إذ جرى دفن أعداد كبيرة من الشهداء فيها منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وبعض عمليات الدفن تمت بطرق عشوائية نظرا للتخوف من القصف.

الصورة
أعداد الشهداء الكبيرة تفوق استيعاب مقابر غزة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
أعداد الشهداء تفوق استيعاب مقابر غزة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

قام أحمد الحداد بدفن عدد من أصدقائه وأفراد من عائلتي المدهون وسكر في شوارع مخيم جباليا، وشوارع مطلة على منطقة مشروع بيت لاهيا، بالقرب من أنقاض المنازل المدمرة، مع وضع علامات أو ترك كتابات على الجدران المحيطة بأسماء المدفونين في تلك القبور، على أمل أن يتمكن من يتبقى من أهلهم من العودة لنقل تلك الجثامين ودفنها في المقابر الرسمية، أو في مقابر جديدة تخصصها السلطات.
يضيف الحداد (39 سنة)، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "قمنا بدفن الكثير من الأشلاء البشرية، وكتبنا على القبور أسماء العائلات والأشخاص الذين تمكنّا من التعرف إليهم، أو عبر أقاربهم الذين تعرفوا إلى أشلاء الأجساد الواضحة. كان البعض يحضرون الرمل من خارج المخيم لاستخدامه في الدفن، فغالبية أراضي المخيم إسفلت، وهناك مناطق تنبعث منها روائح الجثث، والكثير من الجثث تحت الأنقاض، ولا نستطيع الوصول إليها لدفنها".
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، يشهد قطاع غزة أزمة كبيرة في القدرة على دفن آلاف الشهداء الذين يخلفهم قصف الاحتلال المتواصل، وفي الأيام الأولى كانت المشكلة تتمثل في تزايد أعداد الشهداء، ثم بدأت لاحقاً أزمة البحث عن أراضٍ فارغة للدفن، في ظل وجود أعداد كبيرة من الشهداء داخل ثلاجات المستشفيات.
وخصصت وزارة الصحة في غزة أراضي قريبة من المستشفيات ليتم استخدامها كمقابر جماعية، ودفنت مئات الجثامين في مناطق متفرقة في عدد من المحافظات، ومن بينها المقابر الجماعية داخل مجمع الشفاء الطبي، وداخل المستشفى الإندونيسي، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على المستشفيات، واقتحام عدد منها، وخروج مستشفيات أخرى عن الخدمة، وحصار كل مناطق القطاع، أصبح الدفن يتم بطريقة عشوائية في كل المناطق.

وقبل اعتقاله في نهاية الشهر الماضي على حاجز عسكري إسرائيلي، كشف مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية عن قيام جنود الاحتلال بنبش مقبرة جماعية في محيط مجمع الشفاء، وإخراج عدد من جثامين الشهداء المدفونة، ونقلها عبر مركبات كبيرة شاهدها عدد من الطواقم الطبية.
وحسب بيانات جهاز الدفاع المدني ووزارة الصحة في غزة، وصل عدد شهداء العدوان الإسرائيلي إلى أكثر من 18 ألفاً، كما وصل عدد المفقودين في جميع محافظات القطاع إلى أكثر من 10 آلاف مفقود، وغالبيتهم شهداء تعجز طواقم الدفاع المدني عن انتشال جثامينهم من تحت أنقاض المباني المدمرة، ما يهدد بكارثة صحية وبيئية.

كانت آخر حالات الدفن "النظامية" المعروفة، هي تلك التي جرت في ساحة مجمع الشفاء الطبي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين دفنت 179 جثة في قبر جماعي، وكان من بينها جثث 7 أطفال خدج توفوا من جراء انقطاع الكهرباء، واضطرت الإدارة إلى فعل ذلك بسبب بدء تحلل الجثث، بينما كان جيش الاحتلال يحاصر المجمع الطبي من جميع الاتجاهات.

ذات صلة

الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.
الصورة
المسؤولون العسكريون الإسرائيليون سمحوا بقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين (محمد عبد / فرانس برس)

منوعات

يفاقم الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الحروب المخاوف من خطر التصعيد ودور البشر في اتخاذ القرارات. وأثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على اختصار الوقت.
الصورة
هاريس رئيس وزراء أيرلندا الجديد (فرانس برس)

سياسة

حذّرت وزارة الخارجية الإسرائيلية رئيس الوزراء الأيرلندي من خطر الوقوف "على الجانب الخاطئ من التاريخ"، وهاجمته خصوصاً لأنّه لم يذكر في خطابه الرهائن في غزّة.
الصورة
فلسطينيون وسط دمار خانيونس - 7 إبريل 2024 (إسماعيل أبو ديه/ أسوشييتد برس)

مجتمع

توجّه فلسطينيون كثر إلى مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة لانتشال ما يمكن انتشاله من بين الأنقاض، وسط الدمار الهائل الذي خلّفته قوات الاحتلال الإسرائيلي.

المساهمون