علا عطا الله الصحافية الإنسانة ترحل مع الراحلين في غزة

علا عطا الله الصحافية الإنسانة ترحل مع الراحلين في غزة

19 مارس 2024
استشهدت علا عطالله خلال العدوان (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شجرة جوز عتيقة في غزة تحولت من مصدر بهجة إلى رمز للصمت والوحدة بسبب الحرب، معكسة تغيرات الحياة لعائلة الشهيدة علا عطا الله وأطفال الحارة.
- علا عطا الله، صحافية شابة استشهدت في الحرب، كانت تكتب عن الحياة والموت في غزة، معبرة عن معاناة النزوح والخوف التي يعيشها سكان المنطقة.
- استشهاد علا وعائلتها يعكس الواقع المرير للمدنيين في غزة، مؤكدة على الحاجة الماسة للسلام والعدالة، وتركت بصمة لا تُنسى من خلال كتاباتها ونشاطها الاجتماعي.

على باب الدار في مدينة غزة، لا تزال تلك الشجرة صامدة في انتظار من يجني الثمار. انتظر الجميع وخصوصاً أطفال الحارة، أن تحمل الأزهار ثمار الجوز، ولكن الحرب شرّدتهم من حارتهم وظلّت تلك الشجرة تنتظر ضجيجهم وتسلقهم عليها وبعض حجارتهم.
شجرة الجوز تلك تزين مدخل دار الشهيدة علا عطا الله التي لطالما سُرّت بفرح الأطفال بثمار الشجرة وتسابقهم عليها، فكتبت: "هذه شجرة عين الجمل اللوز وعمرها أكثر من عشرين عاماً. تتوسط منزلنا وتذهب أفرعها إلى شرفات الجيران. في مثل هذا التوقيت تبدأ مشاغبات الصغار في حصادها كأنه العيد. الآن تبدو الشجرة ولأول مرة منذ أثمرت صامتة وشاحبة تسقط وحيدة، لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها خوفاً من شظايا الموت".
لطالما كتبت علا أخباراً عاجلة بحكم مهنتها في الصحافة التي عملت بها حوالي عشرين عاماً، ولكنها لم تعلم أنها ستكون خبراً في ظل حرب مدمرة. وقالت: "الموت ليس أن تتحول إلى رقم وخبر عاجل ضمن متتالية الفاجعة، الموت هو أن تعيش ليلة لا يستطيع من هولها ورعبها أن يخرج صوتك لتنطق الشهادة ثم تصحو على أمكنة وأرصفة تبكي وعائلات تنزح من بيوتها هائمة على وجهها، فالموت هنا في غزة هو ألا تموت".
لم تكتف غزة بعدّ الراحلين أو ساعات الجوع والعطش والبرد والمرض والنزوح، كما كتبت الشهيدة الصحافية ابنة مدينة غزة علا، قبل أيام من استشهادها في قصف إسرائيلي استهدف بيتا نزحت إليه من حي الصحابة في منطقة اليرموك وسط مدينة غزة إلى حي الدرج شرقاً. وجاء القصف فجراً في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي على كل من في البيت، لتستشهد علا وأخوها طارق وزوجته تهاني وأطفاله ريماس وتالا ويامن، وابنة خاله وابنا خاله.
كانت تود أن ترى لحظة الحساب تقتص من مقترفي الجرائم في غزة، فكتبت: "كم عليها أن تعد من راحلين وباكين ومكلومين كي تسقط لعنة الحساب وتختفي قسوة الأرقام؟". 

على غرار الكثير من عائلات غزة، ارتأت عائلة الشهيدة علا الافتراق خلال الحرب حتى تحافظ على من يحمل اسمها في حال استهدفت بالقصف الإسرائيلي، فنزحت برفقة شقيقها البكر طارق والذي لطالما كانت مرتبطة به لا سيما بعد وفاة والدتها واعتزالها العمل الصحافي الذي دأبت عليه منذ عام 2002. كانت قد درست الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية في غزة، ونالت المرتبة الأولى على دفعتها، لتركز في عملها وكتاباتها على القصص الإنسانية على مدى 20 عاماً. 

في كل ليلة، كانت تكتب لغزة إذا ما توفر الإنترنت والكهرباء، وذلك عبر حسابها الخاص على منصة "إكس"، لتنقل مرارة القصف والقتل في كل دقيقة، مسجلة على العالم صمته بقولها: "أسوأ وأبشع ما في هذا العالم السريع أنه أفقد الجميع الحس بالدهشة، وأصبحت كل الأشياء متساوية وعادية". وكما لم يأخذ أحد بغزة عزاء الشهداء الذين فقدهم، فلم تأخذ عائلة الشهيدة علا العزاء في ابنتهم وابنهم طارق وأبنائه. وقد وصفت هذا بالموت مرتين حين كتبت: "تخيلوا أن حرب الإبادة هذه سلبت حقنا في الحزن وفي الوداع، حقنا في الدموع والحداد، تتكوّم أسماء الأحبة الراحلين ولا تهداً متتالية الفقد، في غزة نموت مرتين".


في السنوات الدراسية الجامعية، كانت علا أيقونة بين قريناتها، وتمتاز بالحس الفكاهي وسرعة البديهة، وكانت من الأوائل في الثانوية العامة - الفرع العلمي، في مدرسة الزهراء بمدينة غزة، وأكملت مسيرة التفوق في الجامعة. وخلال مسيرتها المهنية، بنت صداقات واسعة مع زملائها، منهم عميد كلية الآداب ورئيس قسم الصحافة بالجامعة جواد الدلو، وعميد الصحافة في قطاع غزة والأب الروحي لها كما كانت تعده الشهيد الصحافي مصطفى الصواف، الذي استشهد مع زوجته وعدد من أبنائه وأحفاده، وقد نعته قائلة: "وداعاً يا والدنا ويا أستاذنا يا أنبل وأطيب الرجال ويا معلم الصحافة والحياة".

نعتها صديقتها شيماء مصطفى ابنة الصحفي مصطفى، وتقول لـ "العربي الجديد": "الحزن لم يفارقني منذ استشهاد أبي وأمي وإخوتي لتلحق بهم صديقتي الوحيدة، لا أكف عن البكاء والشوق لهم جميعاً". من جهتها، تقول صديقتها هديل عطا الله: "كانت أكثر من رائعة وما حدث لها ولشقيقها وعائلته مأساة. يجب ألا تمر كما كل الجرائم في غزة والتي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بآلة حربه المتطورة ضد أجساد المدنيين العزل".
إلى ذلك، يقول رئيس ومؤسس مركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده: "لا أجد كلمات يمكن أن تعبر عن هذا الفقد، علا أفضل من كتب قلمه وأنسن الصحافة"، ذاكراً أنها من أوائل الصحافيين الذين ساندوا المرصد خلال نشأته وسنواته الأولى. ويشير إلى أنها "تحملت الكثير من المتاعب وكان لها مكانة كبيرة عنده وقد سعى دوماً للاطمئنان عليها أثناء النزوح ليفاجأ بخبر استشهادها"، مؤكداً أن "خسارتها كبيرة جداً ولا كلمات يمكن أن تنعاها أو تعبر عن الحزن لفقدانها سوى أنها شهيدة وقد أوصلت رسالتها في التعبير عن حال المواطنين في غزة خلال الحرب".

المساهمون