عبء الدورة الشهرية على نساء لبنان

عبء الدورة الشهرية على نساء لبنان

14 يوليو 2021
استفادت بدورها من بعض مستلزمات الدورة الشهرية (عن فيمايل)
+ الخط -

 

تُواجه نساء لبنان وفتياته أزمة إضافية تتعلّق بنقص المستلزمات الخاصة بالدورة الشهرية، على خلفية الأزمة الاقتصادية في البلاد والارتفاع الكبير في الأسعار، الأمر الذي يجعل كثيرات منهن عاجزات عن تأمينها.

تعاني 76.5 في المائة من الفتيات والنساء اللواتي يعشن في لبنان صعوبة للوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية، في وقت تلاحظ 79 في المائة من الفتيات والنساء تغيّراً في عادات استهلاك هذه المستلزمات في محيطهن. وتعاني 36 في المائة من الفتيات والنساء أعراضاً جسدية لعدم تمكنّهن من شراء حاجات الدورة الشهرية ومستلزمات النظافة الشخصية. وتعيد 87.9 في المائة من الفتيات والنساء، اللواتي غيرن سلوكهن، السبب إلى الارتفاع الكبير في أسعار المستلزمات المتعلقة بالدورة الشهرية في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد.

هذه أبرز نتائج دراسة حديثة أجرتها جمعية "فيمايل" بالتعاون مع المنظمة الدولية "Plan international" وشركة "Statistics Lebanon LTd" حول "فقر الدورة الشهرية في لبنان". وشملت الدراسة 1800 أنثى من جنسيات مختلفة (1200 لبنانية، 400 سورية، 200 فلسطينية)، تتراوح أعمارهن ما بين 12 عاماً و45، وتم الاتصال بهن عبر الهاتف بسبب ظروف جائحة كورونا ومشاركتهن بالاستبيان خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين 21 مايو/ أيار و2 يونيو/ حزيران الماضيين. وتعدّ عينة الدراسة ممثلة، بحسب المديرة التنفيذية بالشراكة للجمعية، علياء عواضة، وبالتالي يمكن تعميم نتائجها على المجتمع بشكل عام. 

وفقر الدورة الشهرية هو الصعوبة في الحصول على مستلزمات النظافة الشخصية، ونقص الثقافة الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية، ودورات المياه، ومرافق غسل اليدين، وإدارة المخلفات. وقد تُنبذ الفتيات والنساء خلال ممارسة النشاطات اليومية، أو يتوقفن عن الذهاب إلى المدارس والعمل أثناء فترة الحيض. 

وتظهر نتائج الدراسة أن 41.8 في المائة من الفتيات والنساء في لبنان اضطررن إلى التخفيف من استهلاك مستلزمات الدورة الشهرية، أو إلى استخدامها لفترة زمنية أطول، بينما ارتفعت هذه النسبة لتسجل 60.5 في المائة لدى الفتيات والنساء السوريات. وتعتبر الأسر ذات الدخل المنخفض الأكثر تأثراً بسبب التحديات الاقتصادية، وعدم القدرة على شراء مستلزمات الدورة الشهرية. واستخدمت 35.3 في المائة من الفتيات والنساء في لبنان مصطلح "فقر الدورة الشهرية" للحديث عن حالتهن، بينما أعربت 74 في المائة من المستطلعة آراؤهن عن عدم شعورهن بالراحة لدى مناقشة مسألة الدورة الشهرية مع الذكور.

وتصف عواضة نتائج الدراسة بـ"المقلقة والخطيرة" وتعيدها لعوامل عدة منها: الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها لبنان وارتفاع أسعار مستلزمات الدورة الشهرية (والتي هي بمعظمها مستوردة)، وعدم دعم الدولة اللبنانية هذه المستلزمات  وتجاهل حقوق النساء في توفيرها وعدم اعتبارها أولوية وحقاً أساسياً للفتيات والنساء في المجتمع اللبناني، وإعادة ترتيب أولويات الأسر اللبنانية في ظل ارتفاع نسبة الفقر واعتبار شراء مستلزمات الدورة الشهرية غير ذي أولوية بالمقارنة مع الغذاء والمياه، وعوائق في الحصول على مياه نظيفة وأساليب التعقيم والنظافة، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بجسد النساء في مجتمعاتنا ما يمنعهن من التعبير عن حاجاتهن الأساسية المرتبطة بأجسادهن. 

من جهتها، تلفت مديرة برامج الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في منظمة "بلان إنترناشونال" لمى نجا، إلى استخدام الفتيات والنساء في لبنان، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بدائل غير آمنة ومنها قطع قماش قديمة، صحف، وغيرها ما يضرّ بصحة النساء الانجابية والجنسية، ويعرّضهن لمخاطر الالتهابات وغيرها من مشاكل صحية ضارة بصحتهن وأجسداهن. كما تعاني الفتيات والنساء صعوبة في الحصول على الأدوية التي تحتاجها خلال فترة الحيض، من مسكنات آلام ومضادات التهابات وغيرها ما يفاقم وضعهن الصحي. 

الصورة
نشاط جمعية فيمايل حول فقر الدورة الشهرية (عن فيمايل)
(عن فيمايل)

تدافع نجا عن حق الفتيات والنساء في ضرورة أن يمتلكن جميع الخيارات الممكنة والمناسبة للحفاظ على النظافة الشخصية والصحية وعدم فرض أي خيار عليهن أو إجبارهن على اعتماد بعض البدائل دون غيرها. وتشير نجا إلى حالات بعض النساء المعنّفات اللواتي يمنعهن أزواجهن من الخروج وشراء مسلتزمات الدورة الشهرية، وخصوصاً أثناء الحجر الصحي خلال تفشي فيروس كورونا، أو النساء اللواتي يقرّر أزواجهن وهم أرباب الأسر والمسؤولون عن الإنفاق المادي على العائلة  أن شراء مسلتزمات الدوة الشهرية غير ضروري مقارنة مع شراء الحاجات الأساسية الأخرى. 

وفي ما يتعلق بالصحة النفسية، تشير نتائج الدراسة إلى أنّ 43 في المائة من الفتيات والنساء، اللواتي شاركن في الدراسة، أظهرن مشاعر قلق والتوتر بسبب عدم قدرتهن على تأميم مستلزمات الدورة الشهرية. تؤثّر مشاعر القلق والتوتر، وفق نجا، على إنتاجية الفتيات والنساء اللواتي يمتنعن في بعض الأحيان عن الذهاب إلى المدرسة أو مكان العمل أثناء فترة الحيض، ما يعرضهن للمزيد من العزلة والنبذ الاجتماعي. وبدل اعتبار الدورة الشهرية عند الأنثى من مظاهر الاحتفال بدورة الحياة، أصبحت الدورة الشهرية قلقاً وعبئاً لدى الفتيات والنساء في لبنان.

وتُشدّد عواضة على أنّ عرض واقع فقر الدورة الشهرية بالأرقام والأدلة المبنية على نتائج دراسة يشكّل أداة ضغط على السلطة وأصحاب القرار في سبيل تسليط الضوء على معاناة النساء وتعزيز حقوقهن، وفي سبيل مطالبة الوزارات المعنية من اقتصاد، وشؤون اجتماعية، وصحة، وتربية، ومالية بأخذ الإجراءات اللازمة والمناسبة في مواجهة فقر الدورة الشهرية في لبنان والتخفيف من آثارها. يشار إلى أنّ "فيمايل" ستطلق حملة عامة، لعرض نتائج الدراسة ومناقشتها والضغط على صنّاع القرار بضرورة إيجاد الحلول قصيرة وطويلة المدى في مواجهة فقر الدورة الشهرية.

المساهمون